كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

نعجة، فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا عليّ، اتق الله، فإنك ميت، وقد علمت سبيل المحسن والمسيء، ثم وعظه وعاتبه في لبوسه، فقال: ما لك وللبوسي؟! إن لبوسي أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم.
وعن أبي مطر قال: خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأنقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً، فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزرٌ بإزار، مرتدٍ برداء، ومعه الدّرة كأنه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريباً بهذا البلد، فقلت: أجل، رجل من البصرة، فقال: هذا عليّ أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى دار ابن أبي معيط، وهو سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين تنفق السلعة، وتمحق البركة، ثم أتى صاحب التمر، فإذا خادم تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم، فردّه مواليّ فأبى أن يقبله، فقال له علي: خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ فقال: لا، فقلت: هذا علي أمير المؤمنين، فصبّت تمره وأعطاها درهمها، قال: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم، ثم مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين يرب كسبكم، ثم مرّ مجتازاً معه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك، فقال: لا يباع في سوقنا طافياً، ثم أتى دار فرات وهي سوق الكرابيس فأتى شيخاً، فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميصٍ بثلاثة دراهم. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثم أتى آخر. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثاً، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم، ولبسه ما بين الرّصغين إلى الكفّين، يقول في لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتين فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذا شيء ترويه عن نفسك، أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوله عند الكسوة، فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل له: يا فلان، قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم، قال: أفلا أخذت منه درهمين؟! فأخذ أبوه درهماً، ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرّحبة، فقال: أمسك هذا الدرهم، فقال: ما شأن هذا الدرهم؟ فقال: ما كان قميصاً ثمن درهمين، فقال: باعني رضاي، وأخذ رضاه.

الصفحة 62