كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

قال أبو بشير الشيباني: شهدت الجمل مع مولاي، فما رأيت يوماً قط أكثر ساعداً نادراً وقدماً نادرة من يومئذ، ولا مررت بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل. قال: فحدثني الحكم بن عتيبة أن علياً دعا يوم الجمل، فقال: اللهم، خذ أيديهم وأقدامهم.
قال المدائني: نظر علي بن أبي طالب إلى قوم ببابه، فقال لقنبر: يا قنبر، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء شيعتك يا أمير المؤمنين، قال: فقال: لا أرى فيهم سيماء الشيعة، قال: وما سيماء الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظما، عمش العيون من البكا.
قال أبو أراكة: صلّيت مع عل بن أبي طالب صلاة الفجر. فلما سلّم انفتل عن يمينه ثم مكث كأنّ عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال: وحائط المسجد يومئذ أقصر مما هو الآن ثم قلب يده ثم قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفراً، شعثاً، غبراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجّداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم. فإذا أصبحوا، فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبلّ ثيابهم، والله لكأنّ القوم باتوا غافلين ثم نهض، فما رئي بعد ذلك مفترّاً، يضحك، حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق.
وعن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: طوبى لكل عبد نومة، عرف الناس، ولم يعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصابيح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة، يدخلهم في رحمته، ليس ألئك بالمذاييع البذر، ولا بالجفاة المرائين.

الصفحة 66