كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

وعن علي بن أبي طالب أنه قال: تعلموا العلم، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره، وإنه لا ينجو منه إلا كل نومة منبتّ الداء، أولئك أئمة الهدى، ومصابيح العلم، ليسوا بالعجل، المذاييع البذر.
ثم قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً. ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. ألا إن لله عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وجوانحهم خفيفة، صبروا أيام العقبى لراحة طويلة، أما الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم، ربّنا ربّنا، يطلبون فكاك رقابهم، وأما النهار فعلماء، حلماء بررة، أتقياء، كأنهم القداح، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، وخولطوا، ولقد خالط القوم أمر عظيم.
وعن ابن عباس قال:
قال عمر لعلي: عظني يا أبا الحسن، قال: لا تجعل يقينك شكاً، ولا علمك جهلاً، ولا ظنك حقاً، واعلم أنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، وقسمت فسوّيت، ولبست فأبليت، قال: صدقت يا أبا الحسن.
خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم من طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق. ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.

الصفحة 67