كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

وعن الأصبغ بن نباتة قال: صعد علي ذات يوم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الموت فقال: يا عباد الله، الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم فالنّجاء النّجاء، والوجاء الوجاء، وراءكم طالب حثيث: القبر، فاحذروا ضغطته، وظلمته، ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة. ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود. ألا وإن رواء ذلك يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر في الكبير " وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ " ألا وإن وراء ذلك ما هو أشدّ منه: نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وحليها حديد، ثم قال: وإن وراء ذلك جنّة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم.
وعن علي بن أبي طالب أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فإن الدنيا قد أدبرت، وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت، وأشرفت باطّلاع، وإن المضمار اليوم، وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل، فمن قصّر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله. ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضرّه الباطل، ومن لم يستقم به الهدى حاربه الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظّعن، ودللتم على الزاد.
ألا أيها الناس، إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر. ألا إنّ " الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسعٌ عليمٌ " أيها الناس، أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فإن الله وعد جنته من أطاعه، وأوعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا

الصفحة 68