كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 18)

السائل، إن الله يشج ويداوي، فمنه الداء، ومنه الدواء. أعقلت عن الله أمره؟ قال: نعم. قال علي: الآن أسلم أخوكم فقوموا فصافحوه، ثم قال علي: لو أن عندي رجلاً من القدرية لأخذت برقبته، ثم لا أزال أجأها حتى أقطعها، حتى أقطعها، فإنهم يهود هذه الأمة.
قال الأحنف بن قيس: ما سمعت بعد كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن من كلام أمير المؤمنين علي حيث يقول: إن للنكبات نهايات، لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أني ينام لها حتى تنقضي مدتها، فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها.
قال الأحنف وفي مثله يقول القائل: البسيط
الدّهر يحنق أحياناً فلا ديةٌ ... فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب
حتى يفرّجها في حالٍ مدّتها ... فقد يزيد احتناقاً كلّ مضطرب
ولأبي تمام: الطويل
ومن لم يسلّم للنوائب أصبحت ... خلائقه جمعاً عليه نوائبا
قام رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان؟ قال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد.
فالصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب: فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.
واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين: فمن تبصّر في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.

الصفحة 74