كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 25)

ويخيفون آمننا، ويريدون هراقة دمائنا وإخافة سبيلنا، وقد يعلم الله أنا لا نريد لهم عقاباً، ولا نهتك لهم حجاباً: غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوباً لن ننزعه طوعاً، ما جاوب الصدى، وسقط الندى، وعرف الهدى؛ حملهم على خلافنا البغي والحسد، فالله نستعين عليهم. أيها الناس! قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأني خليفة أمير المؤمنين عثمان عليكم، وأني لم أقم رجلاً منكم على خزاية قط، وإني ولي عثمان وابن عمه، وقد قال الله عز وجل في كتابه: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً " وقد علمتم أنه قتل مظلوماً، وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.
فقال أهل الشام بأجمعهم: بل نطلب بدمه. فأجابوه إلى ذلك وبايعوه ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم أو يدركوا بثأره أو يفني الله أرواحهم قبل ذلك.
وكان علي استشار الناس فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة، غير الأشتر، وعدي بن حاتم، وشريح بن هانئ الحارثي، وهانئ بن عروة المرادي، فإنهم قالوا لعلي: إن الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنما خوفوك حرب الشام، وليس في حربهم شيء أخوف من الموت وإياه نريد. فدعا علي الأشتر وعدياً وشريحاً وهانئاً فقال: إن استعدادي لحرب الشام، وجرير بن عبد الله عند القوم صرف لهم عن غي إن أرادوه، ولكني قد أرسلت رسولاً، فوقت لرسولي وقتاً لا يقيم بعده، والرأي مع الأناة فاتئدوا، ولا أكره لكم الأعذار.
فأبطأ جرير على علي حتى أيس منه. وإن جريراً لما أبطأ عليه معاوية بالبيعة لعلي كلمه في ذلك وقال له: إن هذا الأمر له ما بعده. فدعا معاوية ثقاته واستشارهم فقال له عقبة - وكان نظير معاوية -: استعن في هذا الأمر بعمرو بن العاص فإنه من عرفت، وقد اعتزل عثمان في حياته، وهو لأمرك أشد اتباعاً. فكتب إليه معاوية وعمرو بفلسطين: أما بعد فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط الشام مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة، وقد قدم علي جرير بن عبد الله ببيعة علي،

الصفحة 30