كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 25)

فاقدم علي على بركة الله، فإني قد حبست نفسي، ولا غناء بنا عن رأيك. وإن معاوية قال لجرير: قد رأيت أن أكتب إلى صاحبك أن يجعل لي مصر والشام حياته، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة وأسلم له هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: اكتب ما شئت وأكتب معه إليه. فكتب معاوية بذلك، فلما أتى علياً كتابه عرف أنما هي خديعة منه. وكتب علي إلى جرير: أما بعد فإن معاوية إنما أراد بما طلب أن لا تكون في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام. وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمل معاوية على الشام فأبيت ذلك، ولم يكن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضداً؛ فإن بايعك وإلا فأقبل. وفشا كتاب معاوية في الناس. فكتب إليه الوليد بن عقبة: من الطويل
معاوي إن الشام شامك فاعتصم ... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا
وحام عليها بالقنابل والقنا ... ولاتك محشوش الذراعين وانيا
فإن علياً ناظر ما تجيبه ... فأهد له حرباً تشيب النواصيا
وإلا فسلم إن في الأمر راحة ... لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا
وإن كتاباً يا بن حرب كتبته ... على طمع جان عليك الدواهيا
سألت علياً فيه مالا تناله ... ولو نلته لم يبق إلا لياليا

الصفحة 31