كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 25)

أساطيرك، فبالكذب غررت من قبلك، وبالخداع استدرجت من عندك، وتوشك أمورك أن تكشف فيعرفوها ويعلموا باطلها، وإن الباطل كان مضمحلاً.
فكتب إليه علي: أما بعد، فطالما دعوت أنت وكثير من أوليائك أولياء الشيطان الحق أساطير، وحاولتم إطفاءه بأفواهكم، ونبذتموه وراء ظهوركم، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ولعمري ليتمن الله نوره بكرهك؛ فعقب من دنياك المنقطعة ما طاب لك، فكأن أجلك قد انقضى، وعملك قد هوى، والسلام على من اتبع الهدى.
ثم إن معاوية بعث إلى عتبة بن أبي سفيان - وكان من أسد قريش رأياً - فقال: إنا قد حبسنا جريراً حتى طمع فينا علي، وإنما حبسته لننظر ما يصنع أهل الشام، فإن تابعوني نبذت إليهم بالحرب، وإن حالفوني بعثت إليهم بالسلم؛ واعلم أن اختلاف القلوب على قدر اختلاف الصور، فلو أصبت رجلاً مصقعاً - يعني خطيباً بليغاً - جمعت أهل الشام على قلب واحد. فقال عتبة: لا يكون إلا يمانياً، وهما رجلان: أحدهما لك والآخر عليك؛ فأما الذي لك فشرحبيل بن السمط، له صحبة وهو عدو لجرير؛ وأما الذي عليك فالأشعث بن قيس، وشرحبيل خير لك من الأشعث لعلي. فعرف معاوية أن قد أتاه بالرأي. وكتب معاوية إلى شرحبيل يسأله القدوم عليه، وهيأ له رجالاً يخبرونه أن علياً قتل عثمان، منهم يزيد بن أسد البجلي، وبسر بن أرطاة، وأبو الأعور السلمي.
فلما جاء كتاب معاوية إلى شرحبيل استشار أهل اليمن - وكان شرحبيل من أهل حمص - فاختلفوا عليه، فقال له عبد الرحمن بن غنم: يا شرحبيل! إن الله أراد بك خيراً، قد هاجرت إلى يومك هذا، ولن ينقطع عنك المزيد من الله عز وجل حتى ينقطع من الناس، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إنه قد فشت القالة عن معاوية بقوله إن علياً قتل عثمان، فإن يك فعل فقد بايعه المهاجرون والأنصار، وهم الحكام على الناس، وإن لم يكن فعل فعلى ما يصدق معاوية على علي وهو من قد علمت

الصفحة 33