كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 25)

فلا تهلكن نفسك وقومك. فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية. فقدم عليه فقال: إن جريراً قدم علينا يدعونا إلى بيعة علي، وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان، وقد حبست عليك نفسي، وإنما أنا رجل من أهل الشام، أرضى بما رضوا وأكره ما كرهوا. فقال شرحبيل: أخرج فأنظر في ذلك.
فخرج شرحبيل، فلقيه النفر الذين وطأهم له معاوية، فأخبروه أن علياً قتل عثمان فقبل ذلك، فعاد إلى معاوية فقال له: يا معاوية! أبى الناس إلا أن علياً قتل عثمان، فلئن بايعت علياً ليخرجنك من الشام. فقال معاوية: ما أنا إلا رجل منكم، وما كنت لأخالف عليكم. قال: فاردد الرجل إلى صاحبه. فعرف معاوية أن شرحبيل قد ناصح، وأن أهل الشام معه.
ثم إن شرحبيل أتى حصين بن نمير في منزله، فبعث حصين إلى جرير: إن رأيت أن تأتينا فإن شرحبيل عندنا. فأتاهم جرير فقال له شرحبيل: إنك أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد، فأردت أن تخلط الشام بالعراق، وقد أطريت علياً وهو القاتل عثمان، والله سائلك عما قلت يوم القيامة. فقال جرير: أما قولك أني جئت بأمر ملفف، فكيف يكون ملففاً وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وقاتلوا معه طلحة والزبير؟ وأما قولك أني ألقيك في لهوات الأسد ففي لهواته ألقيت نفسك؛ وأما خلط الشام بالعراق فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل؛ وأما قولك أن علياً قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك إلا قذف بالغيب من مكان بعيد، وإن ذلك لباطل، ولكنك ملت إلى الدنيا وأهلها، وأمر كان في نفسك.
فبلغ معاوية قولهما، فبعث إلى شرحبيل فقال له: إنه قد كان من إجابتك إلى الحق ما قد وقع فيه أجرك على الله، وقبله عنك صالح الناس، وإن هذا الأمر لا يتم إلا برضى العامة، فسر في مدائن الشام، فادعهم إلى ذلك وأخبرهم بما أنت عليه.
فسار شرحبيل فبدأ بأهل حمص فدعاهم إلى القيام في ذلك، وقال لهم: إن علياً قتل عثمان وحرضهم عليه وخوفهم منه، وإن معاوية ولي عثمان، فقوموا معه، فأجابه أهل

الصفحة 34