كتاب مختصر تاريخ دمشق (اسم الجزء: 25)

أبو غليط بن عتبة بن أبي لهب، فعمد إلى جمل أجرب، فهنأه بالقطران، وركب وأداره في الشمس حتى هرج، ثم قصد به نحو معاوية، فلما نظر إلى الأبنية حمل الجمل عليها، والناس عنده جلوس فأقبل الجمل يقطع تلك الأبنية، وفزع الناس! فقال معاوية: أيها الناس! اجلسوا، إن هذا بعض جنون آل أبي لهب. فقال أبو عليط: والله ما أنا بالمجنون، وما أتانا الجنون إلا من قبل حرب بن أمية! ما زال الشيطان يخنقه حتى مات. وكان حرب بن أمية مات مخنوقاً، ذكروا أن الجن خنقته فمات.
دخل قوم من الأنصار على معاوية فقال لهم: يا معشر الأنصار! قريش لكم خير منكم لها؛ فإن يكن ذلك لقتلي أحد، فقد نلتم يوم بدر مثلهم؛ وإن يكن ذلك للأثرة، فو الله ما تركتم إلى صلتكم سبيلاً، لقد خذلتم عثمان يوم الدار، وقتلتم أنصاره يوم الجمل، وصليتم بالأمر يوم صفين. فتكلم رجل منهم فقال: أقلت قريش خير لنا منا لها؟ فإن فعلوا فقد أسكناهم الدار، وقاسمناهم الأموال، وبذلنا لهم الديار، ودفعنا عنهم العدو وأنت سيد قريش، فهل لهذا عندك جزاء؟ وأما قولك إن يكن ذلك لقتلى أحد، فإن قتيلنا وحينا ثائر؛ وأما ذكرك الأثرة، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا بالصبر عليها، وأما خذلان عثمان فإن الأمر في عثمان ما كان إلا جفلى - يريد الجمع - وأما قتل أنصاره يوم الجمل فما لا يعتذر منه؛ وأما قولك إنا صلينا بالأمر يوم صفين فإنا كنا مع رجل لم نأله خيراً. وقاموا وخرجوا، فقال معاوية: ردوهم، فو الله ما فرغ من كلامه حتى ضاق بي مجلسي! أما كان فيكم رجل يجيبه؟! فردوهم فترضاهم ووصلهم.
جرى بين معاوية وبين أبي الجهم كلام، حتى كان من أبي الجهم إلى معاوية كلام غمه، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: يا أبا الجهم! إياك والسلطان، فإنه يغضب غضب

الصفحة 58