كتاب المعجم الكبير للطبراني - ط إحياء التراث (اسم الجزء: 3)

قَالَ : تَلْقَيْنَنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ وَأَنَا أَشْفَعُ لأُمَّتِي . قَالَتْ : فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : تَلْقَيْنَنِي عِنْدَ الصِّرَاطِ وَأَنَا أُنَادِي رَبِّي سَلِّمْ أُمَّتِي مِنَ النَّارِ . فَدَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ قَبْضَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغَ الرُّوحُ الرُّكْبَتَيْنِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْهِ . فَلَمَّا بَلَغَ الرُّوحُ السُّرَّةَ نَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاكَرْبَاهُ . فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ : كَرْبِي يَا أَبَتَاهُ . فَلَمَّا بَلَغَ الرُّوحُ إِلَى الثُّنْدُؤَةِ نَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا أَشَدَّ مَرَارَةَ الْمَوْتِ . فَوَلَّى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَجْهَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا جِبْرِيلُ ، كَرِهْتَ النَّظَرَ إِلَيَّ ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا حَبِيبِي ، وَمَنْ تُطِيقُ نَفْسُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ تُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ ؟ فَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَغَسَّلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَهُمَا ، وَكُفِّنَ بِثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ جُدُدٍ ، وَحُمِلَ عَلَى سَرِيرٍ ، ثُمَّ أَدْخَلُوهُ الْمَسْجِدَ ، وَوَضَعُوهُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَخَرَجَ النَّاسُ عَنْهُ ، فَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الرَّبُّ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ ، ثُمَّ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ ، ثُمَّ الْمَلاَئِكَةُ زُمَرًا زُمَرًا . قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لَقَدْ سَمِعْنَا فِي الْمَسْجِدِ هَمْهَمَةً ، وَلَمْ نَرَ لَهُمْ شَخْصًا ، فَسَمِعْنَا هاتِفًا يَهْتِفُ وَيَقُولُ : ادْخُلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَدَخَلْنَا ، وَقُمْنَا صُفُوفًا صُفُوفًا كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَبَّرْنَا بِتَكْبِيرِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَصَلَّيْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلاَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، مَا تَقَدَّمَ مِنَّا أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَدُفِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّاسُ قَالَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، دَفَنْتُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا : كَيْفَ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا التُّرَابَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَمَا كَانَ فِي صُدُورِكُمْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّحْمَةُ ، أَمَا كَانَ مُعَلِّمَ الْخَيْرِ ؟ قَالَ : بَلَى يَا فَاطِمَةُ ، وَلَكِنْ أَمْرُ اللهِ الَّذِي لاَ مَرَدَّ لَهُ . فَجَعَلَتْ تَبْكِي وتَنْدُبُ ، وَهِيَ تَقُولُ : يَا أَبَتَاهُ ، الآنَ انْقَطَعَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِينَا بِالْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ.

الصفحة 64