كتاب المعجم الكبير للطبراني - ط إحياء التراث (اسم الجزء: 6)

قَالَ : أَحَبَّهُ اللَّهُ ، فَتَحَدَّثْنَا وَقُلْنَا لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَلاَ تُحَدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ ، وَمِمَّنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَمَّا أَصْلِي وَمِمَّنْ أَنَا فَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ ، كُنَّا قَوْمًا مَجُوسًا ، فَأَتَانَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا ، فَنَزَلَ فِينَا وَاتَّخَذَ فِينَا دَيْرًا ، قَالَ : وَكُنْتُ فِي كُتَّابِ الْفَارِسِيَّةِ ، وَكَانَ لاَ يَزَالُ غُلاَمٌ مَعِي فِي الْكُتَّابِ يَجِيءُ مَضْرُوبًا يَبْكِي ، قَدْ ضَرَبَهُ أَبَوَاهُ ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا : مَا يُبْكِيكَ ؟ قَالَ : يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ ، قُلْتُ : وَلِمَ يَضْرِبَانِكَ ؟ قَالَ : آتِي صَاحِبَ هَذَا الدَّيْرِ ، فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي ، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مِنْهُ حَدِيثًا عَجِيبًا ، قُلْتُ : فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ ، فَأَتَيْنَاهُ فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ ، وَعَنْ بَدْءِ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَعَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، قَالَ : فَحَدَّثَنَا بِأَحَادِيثَ عَجَبٍ ، قَالَ : وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ ، قَالَ : فَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الْكُتَّابِ فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ مَعَنَا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَتَوْهُ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا هَذَا ، إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ مِنْ جِوَارِنَا إِلاَّ الْحَسَنَ ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْكَ ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهُمْ عَلَيْنَا ، اخْرُجْ عَنَّا ، قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ لِذَلِكَ الْغُلاَمِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ : اخْرُجْ مَعِي ، قَالَ : لاَ أَسْتَطِيعُ ذَاكَ ، وَقَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ أَبَوَيَّ عَلَيَّ ، قُلْتُ : لَكِنِّي أَخْرَجُ مَعَكَ ، وَكُنْتُ يَتِيمًا لاَ أَبَ لِي ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي ونَتَوَكَّلُ ، وَنَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ ، حَتَّى قَدِمْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَقَدِمْنَا نَصِبَيْنِ ، فَقَالَ لِي صَاحِبِي : يَا سَلْمَانُ إِنَّ هَاهُنَا قَوْمًا هُمْ عُبَّادُ أَهْلِ الأَرْضِ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُمْ ، قَالَ : فَجِئْنَا إِلَيْهِمْ يَوْمَ الأَحَدِ وَقَدِ اجْتَمَعُوا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ صَاحِبِي فَحَيَّوْهُ ، وبَشُّوا بِهِ ، وَقَالُوا : أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ فِي إِخْوَانٍ لِي مِنْ قِبَلِ فَارِسَ فَتَحَدَّثْنَا مَا تَحَدَّثْنَا ، ثُمَّ قَالَ لِي صَاحِبِي : قُمْ يَا سَلْمَانُ انْطَلِقْ ، فَقُلْتُ : لاَ ، دَعْنِي مَعَ هَؤُلاَءِ ، قَالَ : إِنَّكَ لاَ تُطِيقُ مَا يُطِيقُ هَؤُلاَءِ ، يَصُومُونَ الأَحَدَ إِلَى الأَحَدِ ، وَلاَ يَنَامُونَ هَذَا اللَّيْلَ ، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ ، تَرَكَ الْمُلْكَ وَدَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ ، فَكُنْتُ فِيهِمْ حَتَّى أَمْسَيْنَا ، فَجَعَلُوا يَذْهَبُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى غَارِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ ،

الصفحة 242