كتاب المعجم الكبير للطبراني - ط إحياء التراث (اسم الجزء: 6)

فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُورًا ، فَقَالَ : يَا سَلْمَانُ ، أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ : إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ كَذَا وَكَذَا فَأَيْقِظْنِي ؟ قُلْتُ : بَلَى ، وَلَكِنْ إِنَّمَا مَنَعَنِي مَأْوَاةٌ لَكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ دَأَبِكَ ، قَالَ : وَيْحَكَ يَا سَلْمَانُ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ أَعْمَلْ فِيهِ لِلَّهِ خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ لِي : يَا سَلْمَانُ اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ دِينِنَا الْيَوْمَ النَّصْرَانِيَّةُ ، قُلْتُ : وَيَكُونُ بَعْدَ الْيَوْمِ دِينٌ أَفْضَلُ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ ؟ - كَلِمَةٌ أُلْقِيَتْ عَلَى لِسَانِي - قَالَ : نَعَمْ ، يُوشِكُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَاتَّبِعْهُ وَصَدِّقْهُ ، قُلْتُ : وَإِنْ أَمَرَنِي أَنْ أَدَعَ النَّصْرَانِيَّةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ لاَ يَأْمُرُ إِلاَّ بِحَقٍّ ، وَلاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقًّا ، وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْتُهُ ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا ، ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَمَرَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمَقْعَدِ ، فَقَالَ لَهُ : دَخَلْتَ فَلَمْ تُعْطِنِي ، وَهَذَا الْخُرُوجُ فَأَعْطِنِي ، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ حَوْلَهُ أَحَدًا ، قَالَ : فَأَعْطِنِي يَدَكَ ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللهِ ، قَالَ : فَقَامَ صَحِيحًا سَوِيًّا ، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ أَهْلِهِ ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي تَعَجُّبًا مِمَّا رَأَيْتُ ، وَخَرَجَ صَاحِبِي فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ ، وَتَبِعْتُهُ فَتَلَقَّانِي رُفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ أَعْرَابٌ ، فَسَبَوْنِي ، فَحَمَلُونِي عَلَى بَعِيرٍ ، وشَدُّونِي وَثَاقًا ، فَتَدَاوَلَنِي الْبَيَّاعُ حَتَّى سَقَطْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَاشْتَرَانِي رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَعَلَنِي فِي حَائِطٍ لَهُ مِنْ نَخْلٍ ، فَكُنْتُ فِيهِ ، قَالَ : وَمِنْ ثَمَّةَ تَعَلَّمْتُ عَمَلَ الْخُوصِ ، أَشْتَرِي خُوصًا بِدِرْهَمٍ ، فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ ، فَأَرُدُّ دِرْهَمًا فِي الْخُوصِ ، وأَسْتَنْفِقُ دِرْهَمًا ، أُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِي ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا ، فَبَلَغَنَا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَهُ ، فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَمْكُثَ ، فَهَاجَرَ إِلَيْنَا وَقَدِمَ عَلَيْنَا ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لأُجَرِّبَنَّهُ ، فَذَهَبْتُ إِلَى السُّوقِ ، فَاشْتَرَيْتُ لَحْمَ جَزُورٍ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ طَبَخْتُهُ ، فَجَعَلْتُ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ ، فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا عَلَى عَاتِقِي ، حَتَّى وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ ، أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ ؟ قُلْتُ : بَلْ صَدَقَةٌ ،

الصفحة 244