كتاب المعجم الكبير للطبراني - ط إحياء التراث (اسم الجزء: 8)

وَإِذَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ، كَأَنَّكَ تَتَّقِيهَا ، قَالَ : فَانْتَقَعَ لَوْنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ : أَمَّا مَا رَأَيْتَ مِنَ الطَّرِيقِ السَّهْلِ الرَّحْبِ اللاَّحِبِ ، فَذَلِكَ مَا حُمِّلْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْمَرْجُ الَّذِي رَأَيْتَ ، فَالدُّنْيَا وَعُصَارَةُ عَيْشِهَا مَضَيْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي لَمْ نَتَعَلَّقْ بِهَا شَيْئًا ، وَلَمْ نُرِدْهَا وَلَمْ تُرِدْنَا ، ثُمَّ جَاءَتِ الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَنَا ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَّا ضِعَافًا فَمِنْهُمِ الْمُرْتِعُ ، وَمِنْهُمِ الآخِذُ الضَّغْثُ وَنَحْوُهُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ جَاءَ عِظَمُ النَّاسِ ، فَمَالُوا فِي الْمَرْجِ يَمِينًا وَشِمَالاً ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أَمَّا أَنْتَ فَمَضَيْتَ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ ، فَلَمْ تَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى تَلْقَانِي ، وَأَمَّا الْمِنْبَرُ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ سَبْعَ دَرَجَاتٍ وَأَنَا فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ ، فَالدُّنْيَا سَبْعَةُ آلاَفِ سَنَةٍ وَأَنَا فِي آخِرِهَا أَلْفًا ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي الآدَمُ الشَّشْلُ ، فَذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ يَعْلُو الرِّجَالَ بِفَضْلِ صَلاَحِ اللهِ إِيَّاهُ ، وَالَّذِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِي التَّارُ الرِّبْعَةُ الْكَبِيرُ خَيْلاَنِ الْوَجْهِ ، فَكَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ ، فَذَاكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ نُكْرِمُهُ لإِكْرَامِ اللهِ إِيَّاهُ ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَوَجْهًا ، فَذَلِكَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كُلُّنَا نَؤُمُّهُ وَنَقْتَدِي بِهِ ، وَأَمَّا النَّاقَةُ الَّتِي رَأَيْتَ وَرَأَيْتُنِي أَتَّقِيهَا فَهِيَ السَّاعَةُ عَلَيْنَا تَقُومُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَلاَ أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِي . قَالَ : فَمَا سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رُؤْيَا بَعْدَهَا إِلاَّ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثُهُ بِهَا مُتَبَرِّعًا.

الصفحة 363