كتاب المعجم الكبير للطبراني - ط إحياء التراث (اسم الجزء: 17)

فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ : اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ فَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَنِ الْغِيبَةِ ، رَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَ صَلاَةَ الْغَدَاةِ ، قَالَ : فَأَيْنَ نَصِيبُكَ وَأَيٌّ شَيْءٍ صَنَعْتَ ؟ فَقَالَ : وَمَا سُؤَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : سُبْحَانَ اللهِ فَقَالَ عُمَيْرٌ : أَمَا إِنِّي لَوْلاَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ أَغُمَّكَ مَا أَخْبَرْتُكَ ، بَعَثْتَنِي حَتَّى أَتَيْتُ الْبَلَدَ فَجَمَعْتُ صُلَحَاءَ أَهْلِهَا فَوَلَّيْتُهُمْ جِبَايَةَ فَيْئِهِمْ حَتَّى إِذَا جَمَعُوا مِنْهُمْ وَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ وَلَوْ نَالَكَ مِنْهُ شَيْءٌ لأَتَيْتُكَ بِهِ ، قَالَ : فَمَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : أَجِدُوا لِعُمَيرٍ عَهْدًا قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ لَشَيْءٌ لاَ عَمِلْتُ لَكَ وَلاَ لأَحَدٍ بَعْدَكَ ، وَاللَّهِ مَا سَلِمْتُ بَلْ لَمْ أَسْلَمْ وَلَوْ قُلْتُ لِنَصْرَانِيٍّ أَيْ أَخْزَاكَ اللَّهُ ، فَهَذَا مَا عَرَضَنِي لَهُ يَا عُمَرُ ، وَإِنَّ أَشْقَى أَيَّامِي يَوْمَ حَلَفْتُ مَعَكَ يَا عُمَرُ ، فَاسْتَأْذَنَهُ فَأَذِنَ لَهُ فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ قَالَ : وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَمْيَالٌ ، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ انْصَرَفَ عُمَيْرٌ : مَا أُرَاهُ إِلاَّ خانَنَا ، فَبَعَثَ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ : الْحَارِثُ وَأَعْطَاهُ مِئَةَ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ : انْطَلِقْ حَتَّى تَنْزِلَ بِهِ كَأَنَّكَ ضَيْفٌ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَثَرَ شَيْءٍ فَأَقْبِلْ ، وَإِنْ رَأَيْتَ حَالاً شَدِيدَةً فَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْمِئَةَ دِينَارٍ فَانْطَلَقَ الْحَارِثُ ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَيرٍ جَالِسٌ يَفْلِي قَمِيصَهُ إِلَى جَنْبِ الْحَائِطِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ : انْزِلْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَنَزَلَ ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْتَ ؟ قَالَ : مِنَ الْمَدِينَةِ ، قَالَ : كَيْفَ تَرَكْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : صَالِحًا ، قَالَ : كَيْفَ تَرَكْتَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : صَالِحِينَ ، قَالَ : كَيْفَ تَرَكْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : صَالِحًا ، قَالَ : أَلَيْسَ يُقِيمُ الْحُدُودَ ؟ قَالَ : بَلَى ضَرَبَ ابْنًا لَهُ أَتَى فَاحِشَةً فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ ، فَقَالَ عُمَيْرٌ : اللَّهُمَّ أَعِنْ عُمَرَ فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ شَدِيدًا حُبُّهُ لَكَ ، قَالَ : فَنَزَلَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، وَلَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ قُرْصَةٌ مِنْ شَعِيرٍ كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِهَا وَيَطْوُونَ حَتَّى أَتَاهُمُ الْجَهْدُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ : يَا هَذَا إِنَّكَ قَدْ أَجَعْتَنَا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنَّا فَافْعَلْ ، قَالَ : فَأَخْرَجَ الدَّنَانِيرَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَعِنْ بِهَا قَالَ : فَصَاحَ فَقَالَ : لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا رُدَّهَا ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : إِنِ احْتَجْتَ إِلَيْهَا وَإِلاَّ فَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا ، فَقَالَ عُمَيْرٌ : وَاللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ أَجْعَلُهَا فِيهِ ،

الصفحة 52