كتاب المعجم الكبير للطبراني (اسم الجزء: 17)

118 - حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُمْ عَنَتًا إِذْ هُمْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى أَصْحَابِ بَدْرٍ قَالَ: فَذَكَرُوا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ بَمَصَائِبِهِمْ، فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللهِ إِنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: صَدَقْتَ وَاللهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً، ابْنِي عِنْدَهُمْ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ، فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُسْوَتُهُمْ مَا بَقُوا لَا يَسَعَهُمْ شَيْءٌ نَعْجِزُ عَنْهُمْ، قَالَ عُمَيْرٌ: اكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي وَشَأْنَكَ، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْمَدِينَةِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَذَاكَرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَا أَكْرَمَهُمُ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ قَدْ أَنَاخَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَا جَاءَ إلَّا لِشَرٍّ، هَذَا الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ قَالَ: «فَأَدْخِلْهُ» فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمََالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهَا وَقَالَ عُمَرُ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا هَذَا الْكَلْبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عُمَيْرُ» ، فَدَنَا فَقَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحًا - وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§قَدْ أكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، السَّلَامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ لَحَدِيثَ الْعَهْدِ بِهَا، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ قَالَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟» قَالَ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئًا، قَالَ: «اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟» قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِهَذَا، قَالَ: " بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَتَذَاكَرْتُما أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ لَكَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ " قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ، نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَنْبَأَكَ بِهِ إِلَّا اللهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَساقَ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أسِيرَهُ» ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ جَاهِدًا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ شَدِيدَ الْأَذَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَقْدَمَ مَكَّةَ فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ كَمَا كُنْتُ أُؤْذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَاقِعَةٍ تَأْتِيكُمُ الْآنَ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ ويُؤْذِي مَنْ يُخَالِفُهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ

الصفحة 58