كتاب المعجم الكبير للطبراني - ط إحياء التراث (اسم الجزء: 19)

فَأَجْمَعْتُ الْقُعُودَ حَتَّى سَبَقَنِي الْقَوْمُ ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو فَلاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَّرَ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ ، أَوْ رَجُلاً مَغْمُوصًا فِي النِّفَاقِ ، وَيُحْزِنُنِي ذَلِكَ ، فَطَفِقْتُ أُعِدُّ الْعُذْرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ ، وَأُهَيْيءُ الْكَلاَمَ ، وَقُدِّرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَذْكُرَنِي حَتَّى نَزَلَ تَبُوكًا ، فَقَالَ لِلنَّاسِ ، وَهُوَ جَالِسٌ بِتَبُوكٍ : مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ : شَغَلَهُ بُرْدَاهُ ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ ، فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ عَلِمْنَا إِلاَّ خَيْرًا ، فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ ، وَمَا كُنْتُ أَجْمَعُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْعُذْرِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَنْ يُنَجِّيَنِي مِنْهُ إِلاَّ الصِّدْقُ ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ ، وَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَدِمَ فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ فِي النَّاسِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ قَلَّمَا نَظَرَ إِلَيَّ دَعَانِي ، فَقَالَ : هَلُمَّ يَا كَعْبُ ، مَا خَلْفَكَ عَنِّي ؟ وَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لاَ عُذْرَ لِي ، مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى ، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ ، وَقَدْ جَاءَ الْمُخَلَّفُونَ يَحْلِفُونَ فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا صَدَقَهُ قَالَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ مَا هُوَ قَاضٍ ، فَقُمْتُ فَقَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَكَافِيكَ مِنْ ذَنْبِكِ الَّذِي أَذْنَبْتَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ كَمَا صَنَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِكَ ، فَقَدْ قَبِلَ مِنْهُمْ عُذْرَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ، فَمَا زَالُوا يَلُومُونَنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : هَلْ قَالَ لَهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَحَدٌ وَاعْتَذَرَ بِمِثْلِ مَا اعْتَذَرْتُ بِهِ أَحَدٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قُلْتُ : مَنْ ؟ قَالُوا : هِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ ، وَرَبِيعَةُ بْنُ مُرَارَةَ الْعُمَرِيُّ ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا ، قَدِ اعْتَذَرَا بِمِثْلِ الَّذِي اعْتَذَرْتَ ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ الَّذِيِ قِيلَ لَكَ ، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلاَمِنَا ، فَطَفَقْنَا نَغْدُو فِي النَّاسِ وَلاَ يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ كَلِمَةً ، وَلاَ يُسَلِّمُ عَلَيْنَا وَلاَ يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلاَمَنَا ،

الصفحة 54