كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 2)

فلا تنكرن لها صرعةً ... فمن فرح النفس ما يقتل
ولو بلغ الناس ما بلغت ... لخانتهم حولك الأرجل
ولما أمرت بتطنيبها ... أشيع بأنك لا ترحل1
فما اعتمد الله تقويضها ... ولكن أشار بما تفعل
وعرف أنك من همه ... وأنك في نصره ترفل
فما العاندون وما أثلوا2 ... وما الحاسدون وما قولوا3
هم يطلبون فمن أدركوا؟ ... وهم يكذبون فمن يقبل؟
وهم يتمنون ما يشتهون ... ومن دونه جدك المقبل
هذه الأبيات قد اشتملت على معانٍ بديعة، وكفى المتنبي فضلًا أن يأتي بمثلها، وهذا مقام يظهر في مثله براعة الناظم والناثر.
وقرأت في كتاب "الروضة" لأبي العباس المبرد4، وهو كتاب جمعه واختار فيه أشعار شعراء، بدأ فيه بأبي نواس، ثم بمن كان في زمانه، وانسحب على ذيله، فقال فيما أورده من شعره: وله معنى لم يسبق إليه بإجماع، وهو قوله5:
__________
1 الأطناب حبال البناء، والتطنيب مد الأطناب.
2 أثلوا -بالثاء المثلثة- جمعوا، ورواية الديوان "وما أملوا" بالميم.
3 ما قولوا أي كرروا القول وخاضوا فيه، وقولتني ما لم أقل: أي نسبته إلى، والتقويل والإدعاء.
4 هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي المعروف بالمبرد، كان شيخ أهل النحو والعربية، وإليه انتهى علمها بعد طبقة أبي عمر الجرمي، وأبي عثمان المازني، وكان من أهل البصرة، حسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثيرة النوادر قال أبو سعيد السيرافي: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جوابا من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قول لمتقدم، وصنف كتبا كثيرة، ومن أكبرها كتاب "المقتضب" وكتاب "الكامل"، وكان مولد المبرد سنة عشر ومائتين، ومات سنة خمس وثمانين ومائتين.
5 ديوان أبي نواس 295 من أبيات أولها:
ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس

الصفحة 10