كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 2)

وقد وقفت على ما شاء الله من أشعار الفحول من الشعراء قديمًا وحديثًا، فلم أجد لأحد منهم في ذكر المرض ما يعد معنىً مخترعًا، لا بل لم أجد من أقوالهم شيئًا مرضيًّا، ما عدا المتنبي، فإنه ذكر المرض في عدة مواضع من شعره فأجاد، وهذا البيت الثاني من هذين البيتين معنىً مخترع له، وقد أحسن فيه كل الإحسان.
ومما ابتدعه بإجماعٍ قوله في مدح عضد الدولة في قصيدته النونية التي مطلعها:
مغاني الشعب طيبًا في المغاني1
قال عند ذكره:
فعاشا عيشة القمرين يحيا ... بضوئهما ولا يتحاسدان2
ولا ملكا سوى ملك الأعادي ... ولا ورثا سوى من يقتلان3
وكان ابنا عدوٍ كاثراه ... له ياءي حروف أنيسيان4
أي: جعل الله ابني عدو كاثراه -يعني ابني عضد الدولة- كياءي حروف تصغير "إنسان"، فإن ذلك زيادة، وهو نقص في المقدار.
إلا أن سبك هذا البيت قد شوهه، وأذهب طلاوة المعنى المندرج تحته.
__________
1 ديوان المتنبي 4/ 251، وعجز البيت: بمنزلة الربيع من الزمان.
وهو مطلع قصيدة يمدح فيها عضد الدولة، وولديه أبا الفوارس وأبا دلف، ويذكر طريقه بشعب بوان، والمغاني: جمع مغنى، وهو المكان الذي فيه أهله، والشعب: هو شعب بوان، وهو موضع كثير الشجر والمياه، يعد من جنان الدنيا، كنهر الإبلة، وسغد سمرقند، وغوطه دمشق، وشعب بوان بأرض فارس بين أرجان والنوبندجان.
2 يدعو لهما بالبقاء الدائم بقاء الشمس والقمر، ينتفع الناس بضوئهما، ولا يكون بينهما تحاسد، ولا اختلاف.
3 هذا دعاء لأبيهما بطول الحياة، بقول: لا ملكا ملكك، بل ملك الأعادي، ولا ورثاك، إنما يرثان من يقتلانه من الأعادي.
4 يقول: عدوك الذي له ولدان وكاثر بهما، كياءين زائدتين في "أنيسيان"؛ لأنه إذا كان مكبرا كان خمسة أحرف، فإذا صغر زيد فيه ياءان في عدده، ونقص في معناه وفخره، فهما زائدتان في نقصه.

الصفحة 23