كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 2)

فإضافة "الرجل" إلى المال من إضافة الصوت.
ومن هذا الضرب قول أبي تمام1:
وكم أحرزت منكم على قبح قدها ... صروف النوى من مرهفٍ حسن القد2
فإضافة "القد" إلى "النوى" من التشبيه البعيد البعيد، وإنما أوقعه فيه المماثلة بين القد والقد.
وهذا أدب الرجل في تتبع "المماثلة" تارة، "والتجنيس" أخرى، حتى إنه ليخرج إلى بناء يعاب به أقبح عيب وأفحشه.
وكذلك ورد قوله3:
بلوناك أما كعب عرضك في العلا ... فعالٍ وأما خد4 مالك أسفل
فقوله: "كعب عرضك" و"خد مالك" مما يستقبح ويستنكر، ومراده من ذلك أن عرضك مصون ومالك مبتذل، إلا أنه عبر عنه أقبح تعبير.
وأبو تمام يقع في مثل ذلك كثيرًا.
وأما الضرب الآخر من التوسع: فإنه يرد على غير وجه الإضافة، وهو حسن لا عيب فيه.
وقد ورد في القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 5 فنسبة القول إلى السماء
__________
1 ديوان أبي تمام 127 من قصيدة في مدح موسى بن إبراهيم الرافعي، والاعتذار إليه ومطلعها:
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحت كما محت وشاع من برد
2 رواية الديوان "صروف الردى" موضع صروف النوى، والقدم القوام، والمرهف الرقيق.
3 ديوان أبي تمام 245 من قصيدة في مدح أبي المستهل محمد بن شقيق الطائي. مطلعها:
تحمل عنه الصبر يوم تحملوا ... وعادت صباه في الصبا وهي شمأل
4 رواية الديوان "جد" بالجيم المعجمة، والجد الحظ.
5 سورة فصلت: الآية 11 قال ابن قتيبة: إن قوما قالوا في هذه الآية: لم يقل الله ولم تقولا، وكيف يخاطب معدوما؟ وإنما هذا عبارة لكوناهما فكانتا، ورد عليهم بقوله: وما في نطق جهنم ونطق السماء، والأرض من العجب؟ والله تبارك وتعالى ينطق الجلود والأيدي والأرجل، ويسخر الجبار والطير بالتسبيح.
وانظر تأويل مشكل القرآن 78 و83.

الصفحة 65