كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 2)

والأرض من باب التوسع؛ لأنهما جماد، والنطق إنما هو للإنسان لا للجماد، ولا مشاركة ههنا بين المنقول والمنقول إليه.
وكذلك قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} 1.
وعليه ورد قول النبي -صلى الله عليه وسلم؛ فإنه نظر إلى أحدٍ2 يومًا فقالٍ: "هذا جبلٌ يحبنا ونحبه"، فإضافة المحبة إلى الجبل من باب التوسع؛ إذ لا مشاركة
بينه، وبين الجبل الذي هو جماد.
وعلى هذا ورد مخاطبة الطلول، ومساءلة الأحجار كقول أبي تمام3:
أميدان لهوى من أتاح لك البلى ... فأصبحت ميدان الصبا والجنائب
وكقول أبي الطيب المتنبي4:
إثلث فإنا أيها الطلل ... نبكي وترزم تحتنا الإبل5
فأبو تمام سائل ربوعًا عافية وأحجارًا دارسة، ولا وجه لها ههنا إلا مساءلة الأهل؛ كالذي في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 6 أي: أهل القرية.
__________
1 سورة الدخان: الآية 29 قال ابن قتيبة تعقيبا على هذه الآية: تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكانة، عام النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده وبكته الريح، والبرق والسماء والأرض، يريدون المبالغة في وصف المصيبة به، وأنها قد شملت وعمت، وليس ذلك بكذب؛ لأنهم جميعا متواطئون عليه، والسامع له يعرف مذهب القائل فيه -انظر تأويل مشكل القرآن 127.
2 أحد -بضم أوله وثانيه معا- اسم لجبل ظاهر المدينة، كان عنده الغزوة المشهورة، وهو جبل أحمر في شمال المدينة.
3 ديوان المتنبي 3/ 299 وهو مطلع قصيدة في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي، ومطلعها:
على مثلها من أربع وملاعب ... أذيلت مصونات الدموع السواكب
4 ديوان المتنبي 3/ 299 وهو مطلع قصيدة في مدح عضد الدولة.
5 ثلثت الرجلين صرت ثالثهما، والإرزام حنين الإبل، ومنه الرزمة صوت السحاب، والطلل ما أشرف من بقايا الديار.
6 سورة يوسف: الآية 82.

الصفحة 66