كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)

والتكرير في مثل هذا المقام أبلغ من الإيجاز، وأحسن وأشد موقعا.
ومما جاء في مثل هذا قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} 1.
فقوله: {مِنْ قَبْلِهِ} بعد قوله: {مِنْ قَبْلِ} فيه دلالة على أن عهدهم بالمطر قد بعد وتطاول، فاستحكم بأسهم، وتمادى إبلاسهم2، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك.
وعلى ذلك ورد قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} 3.
فقوله: {لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} يقوم مقام قوله: {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} ؛ لأن من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر لا يدين دين الحق، وإنما كرر ههنا للخطب على المأمور بقتالهم، والتسجيل عليهم بالذم، ورجمهم بالعظائم، ليكون ذلك أدعى لوجوب قتالهم وحربهم.
وقد قلنا: إن التكرير إنما يأتي لما أهم من الأمر, بصرف العناية إليه ليثبت ويتقرر.
وكذلك ورد قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا
__________
1 سورة الروم: الآيتان 48 و49.
2 الإبلاس اليأس، أبلس إذا يئس.
3 سورة التوبة: الآية 29.

الصفحة 11