كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)

أن تحمل تلك اللفظة على معنى، فإن لم يوجد معنى بعد التنقيب والتنقير والبحث الطويل قيل: هذه زائدة دخولها في الكلام كخروجها منه.
ولما نظرت أنا في هذه الآية وجدت لفظة "أن" الواردة بعد "لما" وقبل الفعل دالة على معنى, فكيف يسوغ أن يقال: إنها زائدة؟.
فإن قيل: إنها إذا كانت دالة على معنى فيجوز أن تكون دالة على غير ما أشرت أنت إليه.
قلت في الجواب: إذا ثبت أنها دالة على معنى فالذي أشرت إليه معنى مناسب واقع في موقعه، وإذا كان مناسبا واقعا في موقعه فقد حصل المراد منه، ودل الدليل حينئذ أنها ليست زائدة.
الوجه الآخر: أن هذه اللفظة لو كانت زائدة لكان ذلك قدحا في كلام الله تعالى، وذاك أنه يكون قد نطق بزيادة في كلامه لا حاجة إليها، والمعنى يتم بدونها، وحينئذ لا يكون كلامه معجزا، إذ من شرط الإعجاز عدم التطويل الذي لا حاجة إليه، وإن التطويل عيب في الكلام، فكيف يكون ما هو عيب في الكلام من باب الإعجاز? هذا محال.
وأما قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} فإنه إذا نظر في قصة يوسف عليه السلام مع إخوته منذ ألقوه في الجب إلى أن جاء البشير إلى أبيه عليه السلام وجد أنه كان ثم إبطاء بعيد، وقد اختلف المفسرون حول تلك المدة، ولو لم يكن ثم مدة بعيدة وأمد متطاول لما جيء بأن بعد "لما" وقبل الفعل، بل كانت تكون الآية: فلما جاء البشير ألقاه على وجهه.

الصفحة 14