كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)

وربما قيل: إن هذه الآية اشتملت على تثنية وجمع وإفراد، وظن أنها من هذا الباب، وليس كذلك؛ لأنها مشتملة على خطاب موسى وهارون عليهما السلام أولًا في اتخاذ المساجد لقومهما، ثم ثنى الخطاب لهما ولقومهما جميعا، ثم أفرد موسى عليه السلام ببشارة المؤمنين؛ لأنه صاحب الرسالة.
مقابلة الشيء بمثله:
الضرب الثاني في مقابلة الشيء مثله، وهو يتفرع إلى فرعين: أحدهما: مقابلة المفرد بالمفرد، والآخر مقابلة الجملة بالجملة.
النوع الأول: كقوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} 1, وكقوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} 2 وقد روعي هذا الموضع في القرآن الكريم كثيرا، فإذا ورد في صدر آية من الآيات ما يحتاج إلى جواب كان جوابه مماثلا، كقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} 3 وكقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 4, وهذا هو الأحسن، وإلا فلو قيل من كفر فعليه ذنبه, كان ذلك جائزا، لكن الأحسن هو ما ورد في كتاب الله تعالى، وعليه مدار الاستعمال.
وهذا الحكم يجري في النظم والنثر من الأسجاع والأبيات الشعرية, فأما إن كان ذلك غير جواب، فإنه لا يلتزم فيه هذه المراعاة اللفظية، ألا ترى أنه قد قوبلت الكلمة بكلمة هي في معناها، وإن تكن مساوية لها في اللفظ، وهذا يقع في الألفاظ المترادفة، ولذا يستعمل ذلك في الموضع الذي ترد فيه الكلمة غير جواب.
__________
1 التوبة 67.
2 النمل 50.
3 الروم 44.
4 الشورى 40.

الصفحة 159