كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)
واعلم أن الناظم لا ينكر عليه الذي ينكر على الناثر؛ لأن الناظم يضطره الوزن والقافية إلى ترك الأولى.
وأما فساد التفسير فإنه أقبح من فساد ترتيبه، وذاك أن يؤتى بكلام ثم يفسر تفسيرا لا يناسبه، وهو عيب لا تسامح فيه بحال، وذلك كقول بعضهم:
فيا أيها الحيران في ظلمة الدجى ... ومن خاف أن يلقاه بغي من العدا
تعال إليه تلق من نور وجهه ... ضياء ومن كفيه بحرا من الندى
وكان يجب لهذا الشاعر أن يقول بإزاء بغي العدا ما يناسبه من النصرة والإعانة، أو ما جرى مجراهما، ليكون ذلك تفسيرا له, كما جعل بإزاء الظلمة الضياء, وفسرها به، فأما أن جعل بإزاء ما يتخوف منه بحرا من الندى, فإن ذلك غير لائق.
النوع الخامس والعشرون: في الاقتصاد والتفريط والإفراط
مدخل
...
النوع الخامس والعشرون: في الاقتصاد والتفريط والإفراط
اعلم أن هذه المعاني الثلاثة من الاقتصاد والتفريط والإفراط توجد في كل شيء من علم وصناعة وخلق، ولا بد لنا من ذكر حقيقتها في أصل اللغة, حتى تتبين نقلها إلى هذا النوع من الكلام.
فأما الاقتصاد في الشيء فهو من القصد الذي هو الوقوف على الوسط الذي لا يميل إلى أحد الطرفين، قال الله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} 1, فظلم النفس والسبق بالخيرات طرفان، والاقتصاد وسط بينهما.
__________
1 سورة فاطر 32.