كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)

وكذلك الآية الأخرى وهي: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} .
ومن باب التكرير في اللفظ والمعنى الدال على معنى واحد عز وجل: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} 1.
فإنه إنما كرر نداء قومه ههنا لزيادة التنبيه لهم والإيقاظ عن سنة الغفلة؛ ولأنهم قومه وعشيرته، وهم فيما يوبقهم من الضلال، وهو يعلم وجه خلاصهم، ونصيحتهم عليه واجبة، فهو يتحزن لهم، ويتلطف بهم، ويستدعي بذلك ألا يتهموه، فإن سرورهم سروره, وغمهم غمه، وأن ينزلوا على نصيحته لهم.
وهذا من التكرير الذي هو أبلغ من الإيجاز, وأشد موقعا من الاختصار، فاعرفه إن شاء الله تعالى.
وعلى نحو منه جاء قوله تعالى في سورة القمر: {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} 2.
فإنه قد تكرر ذلك في السورة كثيرا، وفائدته أن يجددوا عند استماع كل نبإ من أنباء الأولين ادكارا وإيقاظا، وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا, إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث إليه، وأن تقرع لهم العصا مرات؛ لئلا يغلبهم السهو, وتستولي عليهم الغفلة.
__________
1 سورة المؤمن: الآيتان 38 و39.
2 سورة القمر: الآيتان 39 و40.

الصفحة 19