كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)

وهكذا حكم التكرير في قوله تعالى في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .
وذلك عند كل نعمة عددها على عباده.
وأمثال هذا في القرآن الكريم كثير.
ومما ورد من هذا النوع شعرا قول بعض شعراء الحماسة1:
إلى معدن العز المؤثل والندى ... هناك هناك الفضل والخلق الجزل2
فقوله: "هناك هناك" من التكرير الذي هو أبلغ من الإيجاز؛ لأنه في معرض مدح، فهو يقرر في نفس السامع ما عند الممدوح من هذه الأوصاف المذكورة مشيرا إليها، كأنه قال: أدلكم على معدن كذا وكذا ومقره ومفاده.
وكذلك ورد قول المساور بن هند3:
جزى الله عني غالبا من عشيرة ... إذا حدثان الدهر نابت نوائبه4
__________
1 نسبه أبو تمام إلى خلف بن خليفة مولى قيس بن ثعلبة، وهو شاعر إسلامي مجيد مقل عاصر جريرا والفرزدق، ويعرف بالأقطع؛ لأنه قطعت يده بسرقة اتهم بها.
2 رواية ديوان الحماسة 2/ 336 "المؤيد" موضع "المؤثل" والبيت من جملة أبيات أولها:
عدلت إلى فخر العشيرة والهوى ... إليهم وفي تعداد مجدهم شغل
3 هو ابن قيس بن زهير بن حذيفة بن خزيمة بن روحة، هكذا قال التبريزي، وقال غيره: هو شاعر إسلامي مقل.
4 بعد هذين البيتين بيتان، وهما:
إذا قلت عودوا عاد كل شمردل ... أشم من الفتيان جزل مواهبه
إذا أخذت بزل المخاض سلاحها ... تجرد فيها متلف المال كاسبه
راجع ديوان الحماسة 2/ 291. ولم ينسب أبو تمام هذه الأبيات للمساور، ولكنه رواها بعد أبيات للمساور أولها:
فدا لبنى هند غداة دعوتهم ... يجو وبال النفس والأبوان
ثم روى بعد هذه الأبيات الأبيات الأربعة، ونسبها لآخر, ورواية الحماسة في البيت الأول
جزى الله خيرا غالبا ...

الصفحة 20