كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)
وكذلك ورد قول بعض شعراء الحماسة:
لعمري لرهط المرء خير بقية ... عليه وإن عالوا به كل مركب
من الجانب الأقصى وإن كان ذا غنى ... جزيل ولم يخبرك مثل مجرب1
الضرب الثاني من التضمين, وهو أن يضمن الشاعر شعره والناثر نثره كلاما آخر لغيره، قصدًا للاستعانة على تأكيد المعنى المقصود، ولو لم يذكر ذلك التضمين لكان المعنى تاما.
وربما ضمن الشاعر البيت من شعره بنصف بيت، أو أقل منه، كما قال جحظة:
قم فاسقينها يا غلام وغنني ... ذهب الذين يعاش في أكنافهم2
...
ألا ترى أنه لو لم يقل في هذا البيت
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
لكان المعنى تاما لا يحتاج إلى شيء آخر، فإن قوله:
قم فاسقينها يا غلام وغنني
فيه كفاية، إذ لا حاجة له إلى تعيين الغناء؛ لأن في ذلك زيادة على المعنى المفهوم لا على الغرض المقصود.
وقد ورد هذا في عدة مواضع من شعر أبي نواس في الخمريات، كقوله في مخاطبة بعض خلطائه على مجلس الشراب:
فقلت هل لك في الصهباء تأخذها ... من كف ذات حر فالعيش مقتبل
حيرية كشعاع الشمس صافية ... تطير بالكأس من لألائها شعل
__________
1 شرح المرزوقي للحماسة 1/ 358 والقائل هو خالد بن فضلة كما في الحيوان 3/ 103 والبيان والتبيين 3/ 250.
2 الشطر الثاني صدر بيت للبيد بن ربيعة:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب