كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)
وسأحكم بين هاتين القصيدتين، والذي يشهد به الحق وتتقيه العصبية أذكره، وهو أن معاني أبي الطيب أكثر عددا، وأسد مقصدا، ألا ترى أن البحتري قد قصر مجموع قصيدته على وصف شجاعة الممدوح في تشبيهه بالأسد مرة، وتفضيله عليه أخرى، ولم يأت بشيء سوى ذلك، وأما أبو الطيب فإنه أتى بذلك في بيت واحد، وهو قوله:
أمعفر الليث الهزبر بسوطه ... لمن ادخرت الصارم المصقولا؟
ثم إنه تفنن في ذكر الأسد، فوصف صورته وهيئته، ووصف أحواله في انفراده في جنسه وفي هيئه مشيه واختياله، ووصف خلق نجله مع شجاعته، وشبه الممدوح به في الشجاعة، وفضله عليه بالسخاء، ثم إنه عطف بعد ذلك على ذكر الأنفة والحمية التي بعثت الأسد على قتل نفسه بلقاء الممدوح، وأخرج ذلك في أحسن مخرج، وأبرزه في أشرف معنى.
وإذا تأمل العارف بهذه الصناعة أبيات الرجلين عرف ببديهة النظر ما أشرت إليه.
والبحتري وإن كان أفضل من المتنبي في صوغ الألفاظ وطلاوة السبك, فالمتنبي أفضل منه في الغوص على المعاني.
__________
= معفر: ممرغ في التراب. الهزبر: الأسد الشديد. الصارم: السيف القاطع. ورد: لونه محمر. البحيرة: بحيرة طبرية. الفرات والنيل: نهران بالعراق، والنيل أيضا نهر بمصر لكن المبالغة على هذا تكون قد جاوزت الغلو. الغيل: الأجمة. اللبدة: الشعر المجتمع على كتف الأسد. الفريق الحلول: الجماعة النازلة بمكان. الغفرة: الشعر المجتمع على قفاه. اليافوخ: الرأس. الإكليل: التاج. الكمي: البطل المتستر في سلاحه. مشكول: مقيد. زمجر: صاح، وكذلك بربر. تطفيل: تطفل أي: دخول على الآكل من غير دعوة. تشابه القربان أو الخلقان أي: تشابهما في الجرأة والإقدام، وتخالفتما في أن الأسد بخيل بطعامه وأنت جواد. متن: جانب الصلب. أزل: قليل لحم العجز والفخذيين مقتول: مندمج شديد.
زوره: وسط صدره. أدنى: قرب. مضاض: مؤلم. التجديل: الانطراح على الأرض. ابن عمته: الأسد الذي هرب من بدر بعد ذلك.
الصفحة 287
312