كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)
فالضرب الرجل الخفيف، والضرب هو الضرب بالسيف في القتال، فاللفظ لا بد من ذكره مرتين والمعنى فيه مختلف، والمغالطة ليست كذلك، بل يذكر فيها اللفظ مرة واحدة، ويدل به على مثله، وليس بمذكور.
النوع الحادي والعشرون: في الأحاجي
وهي الأغاليط من الكلام, وتسمى الألغاز جمع لغز1, وهو الطريق الذي يلتوي ويشكل على سالكه، وقيل: جمع لغز بفتح اللام وهو ميلك بالشيء عن وجهه، وقد يسمى هذا النوع أيضًا المعمى، وهو يشتبه بالكناية تارة، وبالتعريض أخرى، ويشتبه أيضًا بالمغالطات المعنوية، ووقع في ذلك عامة أرباب هذا الفن, فمن ذلك أن أبا الفرج الأصفهاني ذكر بيتي الأقيشر الأسدي في جملة الألغاز وهما:
ولقد أروح بمشرف ذي ميعة ... عسر المكرة ماؤه يتفصد
مرح يطير من المراح لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتقدد2
وهذان البيتان من باب الكناية؛ لأنهما يحملان على الفرس، وعلى العضو المخصوص، وإذا حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز فكيف يعد من جملة الألغاز? وكذلك فعل الحريري في مقاماته، فإنه ذكر في الأحاجي التي جعلها حكم الفتاوي كناية ومغالطة معنوية، وظن أنهما من الأحاجي الملغزة، كقوله:
__________
1 اللغز على وزن نهر وعلى وزن قفل وبضم اللام والغين معا، وبتحريكهما وبضم اللام وفتح الغين: الميل بالشيء عن وجهه "القاموس المحيط".
2 البيتان في الأغاني للأقيشر الأسدي لا للأقيس كما في الأصل، هكذا:
ولقد أروح بمشرف ذي شعرة ... عسر المكرة ماؤه يتفصد
مرح يطير من المراح لعابه ... وتكاد جلدته به تتقدد
"الأغاني 10/ 82" طبعة التقدم. والصواب يتفصد بالفاء لا بالقاف. وسبق شرحهما.