كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت الحوفي (اسم الجزء: 3)

ومن هذا النحو قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ، وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ، إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} 1.
وإنما كرر تكذيبهم ههنا؛ لأنه لم يأت به على أسلوب واحد، بل تنوع فيه بضروب من الصنعة، فذ كره أولًا في الجملة الخبرية على وجه الإبهام، ثم جاء بالجملة الاستثنائية, فأوضحه بأن كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل؛ لأنهم إذا كذبوا واحدا منهم فقد كذبوا جميعهم، وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه, والتنوع في تكريره بالجملة الخبرية أولًا, وبالاستثناء ثانيًا, وما في الاستثناء من الوضع على وجه التوكيد والتخصيص المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق العذاب وأبلغه.
وهذا باب من تكرير اللفظ والمعنى حسن غامض، وبه تعرف مواقع التكرير، والفرق بينه وبين غيره، فافهمه إن شاء الله تعالى.
الفرع الثاني من الضرب الأول 2:
إذا كان التكرير في اللفظ والمعنى يدل على معنى واحد, والمراد به غرض واحد، كقوله تعالى: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} 3.
والتكرير دلالة على التعجب من تقديره, وإصابته الغرض, وهذا كما يقال: "قتله الله ما أشجعه أو ما أشعره! "
__________
1 سورة ص: الآيات 12 و13 و14.
2 أي: التكرير المفيد.
3 سورة المدثر: الآيتان 19 و20.

الصفحة 9