كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)

كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْآحَادِ فِي الصَّحَابَةِ، أَوِ التَّابِعَيْنِ، أَوْ غَيْرِهِمْ؛ فَالِاشْتِغَالُ بِهَذَا مِنَ الْمُلَحِ، لَا مِنْ صُلْبِ الْعِلْمِ.
خَرَّجَ أَبُو عُمَرَ ابن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيِّ؛ قال: خرجت حديثا واحدا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مِائَتَيْ طَرِيقٍ, أَوْ مِنْ نَحْوِ مِائَتَيْ طَرِيقٍ -شَكَّ الرَّاوِي- قَالَ: فَدَاخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَحِ غَيْرُ قَلِيلٍ، وَأُعْجِبْتُ بِذَلِكَ؛ فَرَأَيْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا! قَدْ خَرَّجْتُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مِائَتَيْ طَرِيقٍ. قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: أَخْشَى أن يدخل هذا تحت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} 1 [التَّكَاثُرُ: 1] ، هَذَا مَا قَالَ. وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ تَخْرِيجَهُ مِنْ طُرُقٍ يَسِيرَةٍ كافٍ فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُ؛ فَصَارَ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ فَضْلًا.
وَالرَّابِعُ: الْعُلُومُ الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الرُّؤْيَا، مِمَّا لَا يَرْجِعُ إِلَى بِشَارَةٍ وَلَا نِذَارَةٍ2؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ بِالْمَنَامَاتِ وَمَا يُتَلَقَّى مِنْهَا تَصْرِيحًا، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً؛ فَأَصْلُهَا الَّذِي هُوَ الرُّؤْيَا غَيْرُ معتبر في
__________
1 ذكرها بإسناد صحيح ابن عبد البر في "الجامع" "رقم 1988"، وذكرها السلفي في "الوجيز" "93"، وابن رشيد في "ملء العيبة" "3/ 215"، والذهبي في "السير" "16/ 181".
2 الأدلة المعتد بها ما يمكن التوصل إلى تمييز صحيحها من فاسدها، وهي اللفظ المروي أو الاستنباط، والرؤيا لا يمكن تمييز صالحها من باطلها كالإلهامات، ومن ثَم أفتى الفقهاء بأن من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام وأخبره بأن زوجه طالق عليه، أو أن هذا اليوم من رمضان؛ ألغى العمل على مقتضى الرؤيا، وعول على ما يعرفه في اليقظة "خ".
قلت: وانظر في هذا: "مجموع ابن تيمية" "24/ 376"، و"الاعتصام" "1/ 261-263"، و"مدارج السالكين" "1/ 51"، و"التنكيل" "2/ 242"، وما سيأتي عند المصنف "4/ 470 وما بعدها".

الصفحة 114