كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)

فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ جَارِيَةٌ عَلَى أَصْلٍ لُغَوِيٍّ لَا بُدَّ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمَيْنِ.
فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ تُرْشِدُ النَّاظِرَ إِلَى مَا وَرَاءَهَا، حَتَّى يَكُونَ عَلَى بَيِّنَةٍ فِيمَا يَأْتِي مِنَ الْعُلُومِ وَيَذَرُ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهَا يَسْتَفِزُّ النَّاظِرَ اسْتِحْسَانُهَا1 بِبَادِئِ الرَّأْيِ، فَيَقْطَعُ فِيهَا عُمْرَهُ، وَلَيْسَ وَرَاءَهَا ما يتخذه مُعْتَمَدًا فِي عَمَلٍ وَلَا اعْتِقَادٍ، فَيَخِيبُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ سَعْيُهُ، وَاللَّهُ الْوَاقِي.
وَمِنْ طَرِيفِ الْأَمْثِلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ: أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ الْبَنَّاءِ سُئِلَ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لَمْ تَعْمَلْ إِنَّ فِي {هَذَانِ} مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} الْآيَةَ [طه: 63] ؟
فَقَالَ فِي الْجَوَابِ: لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرِ الْقَوْلُ فِي الْمَقُولِ؛ لَمْ يُؤَثِّرِ الْعَامِلُ فِي الْمَعْمُولِ.
فَقَالَ2 السَّائِلَ: يَا سَيِّدِي! وَمَا وَجْهُ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ عَمَلِ إِنَّ وَقَوْلِ الْكُفَّارِ فِي النَّبِيِّينَ؟
فَقَالَ لَهُ الْمُجِيبُ: يَا هَذَا! إِنَّمَا جِئْتُكَ بِنُوَّارَةٍ يَحْسُنُ رَوْنَقُهَا، فَأَنْتَ تُرِيدُ أَنَّ تَحُكَّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ، ثُمَّ تَطْلُبَ مِنْهَا ذَلِكَ الرَّوْنَقَ, أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ3!
فَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ مَا تَرَى، وَبِعَرْضِهِ عَلَى الْعَقْلِ يَتَبَيَّنُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ مِنْ صلب العمل.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ:
وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنَ الصُّلْبِ، وَلَا مِنَ الْمُلَحِ: مَا لَمْ يَرْجِعْ إِلَى أَصْلٍ قَطْعِيٍّ وَلَا ظَنِّيٍّ وَإِنَّمَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُرَّ4 عَلَى أَصْلِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ بِالْإِبْطَالِ
__________
1 تحرفت في "د": "استسحانها" بتقديم السين الثانية.
2 في "م" و"خ" زيادة: "له".
3 أورد المصنف في "الإفادات" "ص110" هذه القصة وسمى شيخه، وهو المقري.
4 أي: يرجع. "ماء".

الصفحة 120