كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)

المقدمة العاشرة:
إِذَا تَعَاضَدَ النَّقْلُ وَالْعَقْلُ عَلَى الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَعَلَى شَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَ النَّقْلُ فَيَكُونَ مَتْبُوعًا، وَيَتَأَخَّرَ الْعَقْلُ فَيَكُونَ تَابِعًا، فَلَا يَسْرَحُ الْعَقْلُ فِي مَجَالِ النَّظَرِ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُسَرِّحُهُ النَّقْلُ1، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ:
الْأَوَّلُ:
أَنَّهُ لَوْ جَازَ لِلْعَقْلِ تَخَطِّي مَأْخَذَ النَّقْلِ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ النَّقْلُ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الفَرَض أَنَّهُ حَدَّ لَهُ حَدًّا، فَإِذَا جَازَ تَعَدِّيهِ؛ صَارَ الْحَدُّ غَيْرَ مُفِيدٍ، وَذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ بَاطِلٌ، فَمَا أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ.
وَالثَّانِي:
مَا تَبَيَّنَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحَسِّنُ وَلَا يُقَبِّحُ2، وَلَوْ فَرَضْنَاهُ مُتَعَدِّيًا لِمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ؛ لَكَانَ مُحَسِّنًا ومقبحا، هذا خلف.
__________
1 تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه المسألة بما لا مزيد عليه في "درء تعارض العقل والنقل"، وكذا في المجلد الأول من "مجموع الفتاوى"، وأيضا فيها "13/ 64 وما بعدها".
وللمصنف كلام رائع في "الاعتصام" "2/ 318-322، 327-334" حيث قسم العلوم من حيث إدراك العقل لها إلى ثلاثة أقسام، وتكلم عليها بإسهاب.
ولابن القيم في "إعلام الموقعين" "1/ 331 وما بعدها و2/ 3 وما بعدها، 47 وما بعدها"، و"الصواعق" "3/ 796 إلى نهاية الجزء الرابع"، و"مختصره" "1/ 129 وما بعدها" كلام مسهب قيم متين في هذا الموضوع.
2 هذه مسألة مشهورة في علم الكلام وفي علم أصول الفقه، وهي معروفة بمسألة =

الصفحة 125