كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)
المقدمة الثانية عشرة:
مِنْ أَنْفَعِ طُرُقِ الْعِلْمِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى غَايَةِ التَّحَقُّقِ بِهِ أَخْذُهُ عَنْ أَهْلِهِ الْمُتَحَقِّقِينَ1 بِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، ثُمَّ عَلَّمَهُ وَبَصَّرَهُ، وَهَدَاهُ طُرُقَ مَصْلَحَتِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ غَيْرَ أَنَّ مَا عَلَّمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
ضَرْبٌ مِنْهَا ضَرُورِيٌّ2، دَاخِلٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ مِنْ أَيْنَ وَلَا كَيْفَ، بَلْ هُوَ مَغْرُوزٌ فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، كَالْتِقَامِهِ الثَّدْيَ وَمَصِّهِ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْبَطْنِ إِلَى الدُّنْيَا -هَذَا مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ، وَكَعِلْمِهِ بِوُجُودِهِ، وَأَنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ- مِنْ جُمْلَةِ الْمَعْقُولَاتِ.
وَضَرْبٌ مِنْهَا بِوَسَاطَةِ التَّعْلِيمِ، شَعَرَ بِذَلِكَ أَوْ لَا؛ كَوُجُوهِ التَّصَرُّفَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، نَحْوِ مُحَاكَاةِ الْأَصْوَاتِ، وَالنُّطْقِ بِالْكَلِمَاتِ، وَمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، وَكَالْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ الَّتِي لِلْعَقْلِ فِي تَحْصِيلِهَا مَجَالٌ وَنَظَرٌ في المعقولات.
__________
1 يأتي شرح التحقق "ص140 وما بعدها".
2 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "16/ 129-139".
الصفحة 139