كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)

فَانْطَلَقَ عُمَرُ وَلَمْ يَصْبِرْ، مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ؛ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا.
قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَفَتح هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ ". فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ1.
فَهَذَا مِنْ فَوَائِدِ الْمُلَازَمَةِ، وَالِانْقِيَادِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاطِنِ الْإِشْكَالِ؛ حَتَّى لَاحَ الْبُرْهَانُ لِلْعِيَانِ.
وَفِيهِ قَالَ سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ يَوْمَ صِفِّينَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، وَاللَّهِ؛ لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ2 وَلَوْ أَنَّى أَسْتَطِيعُ أن أرد أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَرَدَدْتُهُ"3، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمَا عَرَضَ لَهُمْ فيه من الإشكال، وإنما نزلت سورة
__________
1 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الجزية والموادعة، باب منه، 6/ 281/ رقم 3182، وكتاب التفسير، باب {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ، 8/ 587/ رقم 4844"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية، 3/ 1411-1412/ رقم 1785", وأحمد في "المسند" "3/ 485"، والبيهقي في "الكبرى" "9/ 222"، وعنده: "فطابت نفسه، ورجع"، وفي سائر النسخ: "ولم يضيعني" في الموطنين والمثبت من "ط".
2 سمي يوم الحديبية يوم [أبي] جندل؛ إذ لم يقع في ذلك اليوم أشد على المسلمين من قصة أبي جندل بن سهيل بن عمرو؛ إذ جاء يوسف في قيوده فارا من مشركي قريش، ورده النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أبيه سهل وفاء بما شرطوه في عقد الصلح من أن يرد عليهم من يأتيه منهم وإن كان على دين الإسلام. "خ".
3 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الجزية والموادعة، باب منه، 6/ 281/ رقم 3181، وكتاب المغازي، [باب] غزوة الحديبية، 7/ 457/ رقم 4189، وكتاب التفسير، باب {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ، 8/ 587/ رقم 4844، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة, باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، 13/ 282/ رقم 7307"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية، 3/ 1411-1412/ رقم 1785"، وأحمد في "المسند" "3/ 485"، والحميدي في "المسند" "رقم 404"، والبيهقي في "السنن" "9/ 222".
1 في "م": "وجدت فرقة زائغة، ولا أحدا مخالفا للسنة".

الصفحة 143