كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)
كَلَامَ فِي هَذَا1.
وَالسَّادِسُ:
أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَرْكُ الْمُبَاحِ طَاعَةً؛ لَلَزِمَ رَفْعُ الْمُبَاحِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إِلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُخَالِفُ فِي هَذَا الْكَعْبِيُّ2؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَاهُ3 بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ، لَا بِالنَّظَرِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ، وَكَلَامُنَا إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ، لَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّمَا قَالَ الْكَعْبِيُّ مَا قَالَ بِالنَّظَرِ إِلَى فِعْلِ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ تَرْكَ حَرَامٍ، بِخِلَافِهِ بِالنَّظَرِ إِلَى تَرْكِهِ، إِذْ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكُهُ فِعْلَ وَاجِبٍ فَيَكُونَ وَاجِبًا، وَلَا فِعْلَ مَنْدُوبٍ فَيَكُونَ مَنْدُوبًا؛ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى رَفْعِ الْمُبَاحِ بِإِطْلَاقٍ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ.
وَالسَّابِعُ:
أَنَّ التَّرْكَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ؛ فَتَرْكُ الْمُبَاحِ إِذًا فِعْلٌ مُبَاحٌ4.
وَأَيْضًا؛ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بالأفعال أو بالتروك بالمقاصد5،
__________
1 قارن مع "الورع" للصنهاجي "ص21".
2 يأتي مذهبه ودليله والرد عليه في الفصل اللاحق لهذه المسألة. "د".
قلت: ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "10/ 530-548".
3 هنا جزم بالحصر، وسيأتي له جعله استظهارا فقط. "د".
4 وإذًا؛ فليس بمطلوب، وهو مدَّعانا. "د".
5 أي: مقاصد الشريعة من تشريع الأحكام، وهي* حفظ الضروريات والحاجيات؛ فالحكم الشرعي يتوجه إلى الفعل من إيجاب أو غيره حسبما فيه من المصلحة، وكيف يكون الشيء فعله وتركه مصلحة حتى يطلب تركه وفعله؟ "د".
__________
* في المطبوع: "وهو".
الصفحة 175