كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)
بِالْأُجُورِ وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ... " إِلَى أَنْ قَالَ: "ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" 1، بَلْ قَدْ جَاءَ أَنَّ فِي مُجَامَعَةِ الْأَهْلِ أَجْرًا، وَإِنْ كَانَ قَاضِيًا لِشَهْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُفُّ بِهِ عَنِ الْحَرَامِ2، وَذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ وَسَائِلَ إِلَى مَأْمُورٍ بِهِ؛ كَانَ لَهَا حُكْمُ مَا تُوُسِّلَ بِهَا إِلَيْهِ.
وَقِسْمٌ لَا يَكُونُ ذَرِيعَةً إِلَى شَيْءٍ؛ فَهُوَ الْمُبَاحُ الْمُطْلَقُ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ، فَإِذَا فُرِضَ ذَرِيعَةً إِلَى غَيْرِهِ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ.
وَالثَّالِثُ:
أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ تَرْكَ الْمُبَاحِ طَاعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى مَا يُنْهَى عَنْهُ، فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ؛ فَيُقَالُ: بَلْ فِعْلُهُ طَاعَةٌ بِإِطْلَاقٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ تُرِكَ حَرَامٌ3، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَرَكَ الْمُحَرَّمَاتِ كُلَّهَا عِنْدَ فِعْلِ الْمُبَاحِ؛ فَقَدْ شَغَلَ النَّفْسَ بِهِ عَنْ جَمِيعِهَا، وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى4؛ لِأَنَّ الْكُلِّيَّةَ هُنَا تَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُبَاحٍ وَسِيلَةٌ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ بِإِطْلَاقٍ؛ فَظَهَرَ أَنَّ مَا اعْتُرِضَ بِهِ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمُبَاحِ طَاعَةٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّهُ سَبَبٌ فِي طُولِ الْحِسَابِ"؛ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ5:
أَحَدُهَا:
أَنَّ فَاعِلَ الْمُبَاحِ إِنْ كَانَ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ؛ لَزِمَ أن يكون التارك
__________
1 أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، 1/ 416-417، رقم 595" من حديث أبي هريرة, رضي الله عنه.
2 سيأتي نصه وتخريجه "ص461".
3 أليس قد يكون فعل المباح ترك واجب؛ فيكون غير تارك للحرام بفعل المباح؟
تأمل. "د".
4 أي: إن هذا المعارِض أقوى من الدليل المعارَض؛ لأنه كلي بخلاف أصل الدليل. "د".
5 قارن مع "الورع" للصنهاجي "ص20-22".
الصفحة 180