"مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ" 1؛ فَأَخْبَرَهُ أَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْم، وَذَلِكَ يبيِّن أَنَّ السُّؤَالَ عَنْهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ2 تَكْلِيفٌ، وَلَمَّا كَانَ يَنْبَنِي عَلَى ظُهُورِ أَمَارَاتِهَا الحذرُ مِنْهَا وَمِنَ الْوُقُوعِ فِي الْأَفْعَالِ3 الَّتِي هِيَ مِنْ أَمَارَاتِهَا، وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ عِنْدَهَا؛ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ خَتَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ بِتَعْرِيفِهِ عُمر أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُمْ لِيُعَلِّمَهُمْ دِينَهُمْ؛ فَصَحَّ إِذًا أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ دِينِهِمْ فِي فَصْلِ السُّؤَالِ عَنِ السَّاعَةِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَجِبُ الْعِلْمُ بِهِ "أَعْنِي: علْم زَمَانِ إِتْيَانِهَا"؛ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ وَفَائِدَةِ سُؤَالِهِ لَهُ عَنْهَا.
وَقَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ جُرما: مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحرم فحُرِّم مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ" 4، وَهُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُحرم؛ فَمَا فَائِدَةُ السؤال عنه
__________
1 قطعة من حديث جبريل الطويل، أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام والإحسان، 1/ 114/ رقم 50"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... 1/ 39-40/ رقم 9" من حديث أبي هريرة, رضي الله عنه.
2 وإلا لعلمه -صلى الله عليه وسلم- وإذا كان هو لا يعنيه علمها وهو المعني بالعلم والمعارف الربانية, فغيره أولى. "د".
3 كما ينبه عليه حديث الترمذي مجملا: "يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم ... " إلخ إلى أن قال: "يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا ". "د".
4 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه، 13/ 264/ رقم 7289"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الفضائل، باب توقيره -صلى الله عليه وسلم- وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، 4/ 1831/ رقم 2358" من حديث سعد بن أبي وقاص, رضي الله عنه.
قال "خ": "الحكمة من مثل هذا الإنذار تأكيد النهي عن إلقاء الأسئلة في وقت غير لائق من غير أن تدعو إليها حاجة، وتحريم الشيء عقوبة وتأديبا وقع في بعض الشرائع الماضية، كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] ، ولكن لم يقع في الشريعة الإسلامية بحال".