كتاب الموافقات (اسم الجزء: 1)

بَعِيدَةٍ، وَلَأَبْطَلَ عَلَيْهِ أَعْمَالًا كَثِيرَةً، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي الْعَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ1 وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ.
وَقَدْ تَكُونُ شَدِيدَةً، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ مَطْلُوبٌ بِالصَّبْرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَفِي "الصَّحِيحِ": "مَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ" 2، وَجَاءَ فِي آيَةِ الْأَنْفَالِ في وقوف الواحد للاثنين بعدما نُسِخَ وُقُوفُهُ لِلْعَشَرَةِ: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الْأَنْفَالِ: 66] ، قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لَمَّا نَزَلَتْ: "نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَ مِنَ الْعَدَدِ"3، هَذَا بمعنى الخبر، وهو موافق للحديث والآية.
__________
1 كل من يهاب المصاعب وتساور فكره الأوهام لا يرتفع شأنه في عمل الخير ولا يبعد شأوه في مجال الصلاح والتقوى، وكم من إنسان يقضي حياته الطويلة دون أن يقوم فيها بعمل ذي بال, ولا علة لوقوعه في هذا الخسران سوى تغلب الوهم وانحلال العزم عند ما يلاقي مشقة أو تتمثل أمامه المخاوف، وكذلك الجماعات لا تقع في خزي وخمول أو يضيع من يدها استقلالها إلا أن تلقى أمرها إلى رأي من أسلمه فساد النشأة وقلة التجارب إلى خور العزيمة، والانقياد إلى الأوهام. "خ".
2 قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، 3/ 335/ رقم 1469، وكتاب الرقائق، باب الصبر عن محارم الله، 13/ 303/ رقم 6470"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، 2/ 729/ رقم 1053" من حديث أبي سعيد الخدري وفيه: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبره الله" لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "ومن يتصبر ".
3 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب التفسير، باب {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} ، 8/ 312/ رقم 4653"، وأبو داود في "السنن" "كتاب الجهاد، باب التولي يوم الزحف/ رقم 2646"، وابن الجارود في "المنتقى" "رقم 1049"، وابن المبارك في "الجهاد" "237"، والبيهقي في "الكبرى" "9/ 76"، وابن جرير في "التفسير" "10/ 40"، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" "ص157" عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "لما نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ؛ شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف، فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ، قال: فلما خفف الله عنهم من العدة؛ نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم".
لفظ البخاري.

الصفحة 509