عَنْهُ1، وَتَأْدِيبُهُ صَبِيغًا ظَاهِرٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُنكر عَلَيْهِ2، وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَخُض فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لنُقل، لَكِنَّهُ لَمْ يُنقل؛ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ.
وَالثَّانِي: مَا ثَبَتَ فِي كِتَابِ "الْمَقَاصِدِ" أَنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ أُمِّيَّةٌ لِأُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وَهَكَذَا" 3 إِلَى نَظَائِرِ ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ هُنَالِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَعَنِ الثَّانِي: إِنَّا لَا نُسلِّم ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ رَدُّ4 كُلِّ فَاسِدٍ وَإِبْطَالُهُ، عُلم ذَلِكَ الْفَاسِدُ أَوْ جُهل؛ إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ أَنَّهُ فَاسِدٌ، والشرعُ مُتَكَفِّلٌ بِذَلِكَ. وَالْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَعْلَمْ علم
__________
1 مضى تخريجه "ص49".
2 مضى تخريجه "ص51-52".
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الصوم، باب قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب" "4/ 126/ رقم 1913"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، 2/ 761/ رقم 1080 بعد 15"، والنسائي في "المجتبى" "كتاب الصوم، باب الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في خبر أبي سلمة فيه, 7/ 139-140" من حديث ابن عمر بلفظ: "إنا أمة أمية ... " وتقديم "نكتب" على "نحسب".
وأخرجه أحمد في "المسند" "2/ 122" من حديثه بلفظ: "نحن أمة أميون ... ".
وعلّق "خ" هنا: "وصف عليه -الصلاة والسلام- العرب بأنها أمة أمية لقلة العارفين منها بالكتابة، وإنما ذكر هذا الوصف ليكون كالعلة لتعليق حكم الصيام على رؤية الهلال دون الحساب، ولم يأت به في مساق الفخر حتى يفهم منه مدح الأمية والترغيب في البقاء عليها، بل القرآن وصفهم بالأميين ونبه على أن الرسول -عليه السلام- بعث فيهم ليخرجهم من طور الأمية ويرتقي بهم إلى صفوف الذين أوتوا العلم والحكمة؛ فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2] ".
4 في "ط": "فيه رد".