فَلَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ عُدَّ الْبَحْثُ عَنْ مَعْنَى الْأَبِّ مِنَ التَّكَلُّفِ، وَإِلَّا؛ فَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ فَهْمُ الْمَعْنَى التَّرْكِيبِيِّ مِنْ جِهَتِهِ لَمَا كَانَ مِنَ التَّكَلُّفِ، بَلْ مِنَ الْمَطْلُوبِ عِلْمُهُ لِقَوْلِهِ: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ النَّاسُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ مَعْنَى التَّخَوُّفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النَّحْلِ: 47] ؛ فَأَجَابَهُ الرَّجُلُ الهُذلي بِأَنَّ التخوُّف فِي لُغَتِهِمُ التَّنَقُّصُ، وَأَنْشَدَهُ شَاهِدًا عَلَيْهِ:
تخوَّف الرَّحْل مِنْهَا تامِكا قَرِدا ... كَمَا تخوَّف عودُ النَّبْعَةِ السَّفَنُ
فَقَالَ عُمَرُ: "يَا أَيُّهَا1 النَّاسُ! تَمَسَّكُوا بِدِيوَانِ شِعْرِكُمْ في جاهليتكم؛ فإن فيه تفسير كتابكم"2.
__________
1 في "م": "أيها".
2 قال المناوي في "الفتح السماوي" "2/ 755/ رقم 642": "لم أقف عليه", وقال ابن همات في كتابه "تحفة الراوي في تخريج أحاديث تفسير البيضاوي" "ق 194/ ب": "قال السيوطي: لا يحضرني الآن تخريجه، لكن أخرج ابن جرير [في "التفسير" "14/ 113"] عن عمر أنه سألهم عن هذه الآية...." وذكر نحوه.
قلت: إسناد ابن جرير ضعيف، فيه رجل لم يسم عن عمر، وفيه سفيان بن وكيع ضعيف، وذكره القرطبي في "التفسير" "10/ 110" عن سعيد بن المسيب نحوه.
وقال ابن حجر في "الفتح" "8/ 386": "وروي بإسناد فيه مجهول عن عمر؛ أنه سأل عن ذلك, فلم يجب، فقال عمر: ما أرى إلا أنه على ما ينتقصون من معاصي الله. قال: فخرج فلقي أعرابيا؛ فقال: ما فعل فلان؟ قال: تخوفته -أي: تنقصته- فرجع؛ فأخبر عمر فأعجبه"، ثم قال: "وفي شعر أبي كبير الهذلي ما يشهد له". وورد نحوه عن ابن عباس فيما أخرجه الحاكم "2/ 499"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" "ص345"، وابن الأنباري في "الوقف"؛ كما في "المزهر" "2/ 302"، وابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد بن حميد؛ كما في "الدر" "6/ 254".
قلت: ويشير ابن حجر في مقولته السابقة إلى البيت المذكور، وقد عزاه الجوهري في "الصحاح" "مادة: خوف، 4/ 1359" لذي الرمة، وفيه: "ظهر النبعة"، وعزاه ابن منظور في "لسان =