كتاب الموافقات (اسم الجزء: مقدمة)

وكان هذا سببا في عدم الاحتشام من نقده في بعض الأحيان، والتوقف في قبول رفده الذي لم يرجح في الميزان؛ فقد جعل هذا المسلك حقا على الناظر المتأمل فيما قرر، والطالب للحق فيما أورد وأصدر، وطلب منه أن يقف وقفة المتخيرين لا وقفة المترددين المتحيرين، كما نهى عن الاستشكال قبل الاختبار؛ حتى لا تطرح الفائدة بدون اعتبار، نعم؛ فليس في تحقيق العلم فلان وأين منه فلان؟ ولو كان لضاع كثير من الحق بين الخطأ والنسيان، وهذه ميزة ديننا الإسلام، قبول المحاجة والاختصام، حاشا للرسول, عليه الصلاة والسلام.
وقال تحت عنوان "تخريج أحاديث الكتاب" ما نصه:
"كان من استقراء المؤلف لموارد الشريعة أن أورد زُهاء ألف من الأحاديث النبوية، وفي الغالب لم يسندها إلى راويها، ولم ينسبها لكتب الحديث التي تحويها، بل قلما استوفى حديثا بتمامه، وإنما يذكر منه بقدر غرض الدليل في المقام، وقد يذكر جزءا آخر منه في مقام آخر حسبما يستدعيه الكلام، وقد يشير إلى الحديث إشارة دون أن يذكر منه شيئا؛ يقصد بهذا وذاك الوصول إلى قصده، دون أن يخرج في الإطناب عن حده، ولا تخفى حاجة الناظر في كلامه إلى الوقوف على الحديث بتمامه، ومعرفة منزلته قوة وضعفا؛ ليكون الأول عونا على معرفة الغرض من سياق الحديث, والثاني مساعدا على تقدير قيمة الاستدلال والاطمئنان أو عدمه في هذا المجال؛ فكان هذا حافزا للهمة، إلى القيام بهذه المهمة، على ما فيها من المشقة والعمل المضني في البحث، واستقصاء ساحات دواوين الحديث الفيحاء، مع كثرة مآخذه، وتعدد مراجعه، حتى كان مرجعنا في ذلك ثلاثة وثلاثين1 كتابا من كتب الحديث.
__________
1 ذكرناها في آخر الهامش السابق.

الصفحة 72