كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} ، "لَنُبَوِّينَّهُمْ1 [مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا] 2" [العنكبوت: 58] .
إِلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذَا3 لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بِحَسَبِ فَهْمِ مَا أُرِيدَ مِنَ الْخِطَابِ، وَهَذَا كَانَ عَادَةَ الْعَرَبِ.
أَلَا تَرَى مَا حَكَى ابْنُ جِنِّي4 عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ5 أَيْضًا، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا الرُّمَّةِ يُنْشِدُ:
وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ يَابِسِ الشَّخْتِ وَاسْتَعِنْ ... عَلَيْهَا الصَّبَا وَاجْعَلْ يَدَيْكَ لها سترا6
فقلت: أنشدني: "من بائس"، فقال: "يابس" و"بائس" وَاحِدٌ.
فَأَنْتَ تَرَى ذَا الرُّمَّةِ لَمْ يَعْبَأْ بِالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْبُؤْسِ وَالْيُبْسِ، لَمَّا كَانَ مَعْنَى الْبَيْتِ قَائِمًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَصَوَابًا عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَحْوَلِ: "الْبُؤْسُ وَالْيُبْسُ وَاحِدٌ"، يَعْنِي: بِحَسَبِ قَصْدِ الكلام لا بحسب تفسير اللغة7.
__________
1 بالثاء المثلثة على ما قرأها حمزة والكسائي كما في "السبعة" "502"، وكذا في الأصل و"ط".
2 في "خ": "لنبوينهم"، وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
3 كما في قوله تعالى: {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ، بكسر اللام للتعليل أو بفتحها على أنها فارقة. "د".
4 في "الخصائص" "2/ 469- ط العراقية"
5 في "ط": "وحكاه غيره"
6 الشخت: الحطب الدقيق، ولم أر تعليقا على البيت في كتب الأدب، ويلوح أن الضمائر المؤنثة في البيت كناية عن النار يذكيها البدوي بالوقود ويستعين على إشعالها بالريح، ثم يجلس إليها للاصطلاء وتدفئة يديه وأطرافه من البرد. "د".
قلت: والبيت في "ديوانه" "176"،وله رواية أخرى في "اللسان" "مادة فوت"
7 فمادة البؤس تدور على الشدة من الشجاعة وغيرها، ومادة اليبس تدور على الجفاف بعد الرطوبة ويلزمها الشدة ضد اللين، فهما متغايران متلازمان. "د".

الصفحة 133