كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: أَنْشَدَنِي ابْنُ الأعرابي:
وموضع زبن1 لَا أُرِيدُ مَبِيتَهُ ... كَأَنِّي بِهِ مِنْ شِدَّةِ الرَّوْعِ آنِسُ2
فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَيْسَ هَكَذَا أَنْشَدْتَنَا، [وَإِنَّمَا أَنْشَدْتَنَا] 3: "وَمَوْضِعُ ضِيقٍ" فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَصْحَبُنَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ولا تعلم أن الزبن4 وَالضِّيقَ وَاحِدٌ؟!
وَقَدْ جَاءَتْ أَشْعَارُهُمْ عَلَى رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِأَلْفَاظٍ مُتَبَايِنَةٍ، يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَلْتَزِمُونَ5 لَفْظًا وَاحِدًا عَلَى الْخُصُوصِ، بِحَيْثُ يُعَدُّ مُرَادِفُهُ أَوْ مُقَارَبُهُ عَيْبًا أَوْ ضَعْفًا، إِلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ لَا يَكُونُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَوَاضِعِ مَحْمُولًا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا مَعْهُودُهَا الْغَالِبُ مَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّالِثُ:
أَنَّهَا قَدْ تُهْمِلُ بَعْضَ أَحْكَامِ اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَتْ تَعْتَبِرُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ، كَمَا اسْتَقْبَحُوا الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا لَهُ لَفْظٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ لَفْظٌ، فَقُبِّحَ "قُمْتُ وَزِيدٌ" كَمَا قُبِّحَ "قَامَ وَزِيدٌ"، وَجَمَعُوا في الردف بين "عمود" و"يعود" مِنْ غَيْرِ اسْتِكْرَاهٍ، وَوَاوُ عَمُودٍ أَقْوَى فِي المد،
__________
1 كذا في الأصل، وهو الصواب، وأورده هكذا ابن جني في "الخصائص" "2/ 469"، وابن منظور في "اللسان" "مادة ز ب ن، 13/ 195"، وقال: "ومقام زبن: إذا كان ضيقا لا يستطيع الإنسان أن يقوم عليه في ضيقه وزلقه"، وفي "المفضليات" "225": "ومنزل ضنك"، وتصحف في النسخ المطبوعة من "الموافقات" إلى "زير" بياء آخر الحروف وراء، ولذا كتب "د" في الهامش: "المعنى المناسب للضيق في الزير أنه الدن"!! انتهى.
قلت: ومعنى البيت: قد أنست بهذا المنزل لما نزلت به من شدة ما بي من الروع، وإن كان ضيقا ليس بموضع نزول.
2 من قصيدة المرقش الأكبر في "المفضليات" "ص225".
3 سقطت من الأصل و"ط" والنسخ المطبوعة كلها، وأثبتناها من "الخصائص" "2/ 469" لابن جني.
4 سبق في هامش1
5 في "ط": "أنهم ما كانوا يلتزمون".

الصفحة 134