كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
وجمعوا بين "سعيد" و"عمود" مَعَ اخْتِلَافِهِمَا، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ اللَّطِيفَةِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا الْأَلْفَاظُ فِي قِيَاسِهَا النَّظَرِيِّ، لَكِنَّهَا تُهْمِلُهَا وَتُولِيهَا جَانِبَ الْإِعْرَاضِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِعَدَمِ تَعَمُّقِهَا فِي تَنْقِيحِ لِسَانِهَا.
وَالرَّابِعُ:
أَنَّ الْمَمْدُوحَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْعَرَبِيَّةِ مَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ تَكَلُّفِ الِاصْطِنَاعِ، وَلِذَلِكَ إِذَا اشْتَغَلَ الشَّاعِرُ الْعَرَبِيُّ بِالتَّنْقِيحِ اخْتُلِفَ فِي الْأَخْذِ عَنْهُ، فَقَدْ كَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَعِيبُ الْحُطَيْئَةَ، وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ1:
"وَجَدْتُ شِعْرَهُ كُلَّهُ جَيِّدًا" فَدَلَّنِي عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُهُ، وَلَيْسَ هَكَذَا الشَّاعِرُ الْمَطْبُوعُ، إِنَّمَا الشَّاعِرُ الْمَطْبُوعُ الَّذِي يَرْمِي بِالْكَلَامِ عَلَى عَوَاهِنِهِ2، جَيِّدِهِ عَلَى رَدِيئِهِ"،وَمَا قَالَهُ هُوَ الْبَابُ الْمُنْتَهَجُ، وَالطَّرِيقُ الْمَهَيْعُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ، فَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَمِنْ زَاوَلَ كَلَامَ الْعَرَبِ وَقَفَ مِنْ هَذَا عَلَى عِلْمٍ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يَسْتَقِيمُ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِيهِمَا3 فَوْقَ مَا يَسَعُهُ لِسَانُ الْعَرَبِ، وَلْيَكُنْ شَأْنُهُ الِاعْتِنَاءَ بِمَا شَأْنُهُ أَنْ تَعْتَنِيَ الْعَرَبُ به، والوقوف عند ما حدته4.
__________
1 قوله في "الأغاني" "2/ 43- 44" بنحوه.
2 أي: عواجله وحواضره.
3 هذه النتيجة ليست هي المنتظرة في هذين الوجهين الأخيرين، بل كان ينتظر أن يأتي من الكتاب أو الحديث بما فيه إهمال بعض أحكام اللفظ، أو ما رمي به الكلام على عواهنه جيده على غير جيده، ولعل ذلك لا يكون في الكتاب والسنة أصلا، وإذا كان هكذا كان المناسب حذف هذين الوجهين من المقام. "د".
4 في الأصل: "حدث"، وانظر في معنى ما ذكره المصنف: "مجاز القرآن" "1/ 8" لأبي عبيدة، و"الرسالة" "ص42" للشافعي، و"الصاحبي" "ص47-48" لابن فارس.
الصفحة 135