وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: "يَا جِبْرِيلُ! إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمُ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ ". قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" 1.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِجْرَاءُ الْفَهْمِ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى وِزَانِ الِاشْتِرَاكِ الْجُمْهُورِيِّ الَّذِي يَسَعُ الْأُمِّيِّينَ كَمَا يَسَعُ غَيْرَهُمْ.
فَصْلٌ:
- وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الِاعْتِنَاءُ بِالْمَعَانِي الْمَبْثُوثَةِ فِي الْخِطَابِ هُوَ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا كَانَتْ عِنَايَتُهَا بِالْمَعَانِي، وَإِنَّمَا أَصْلَحَتِ الْأَلْفَاظَ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَذَا الْأَصْلُ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَاللَّفْظُ إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَالْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا أَيْضًا كُلُّ الْمَعَانِي، فإن
__________
1 أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب القراءات، باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف، 5/ 194/ رقم 2944"، والطيالسي في "المسند" "رقم 543"، وابن أبي شيبة في "المصنف" "10/ 518"، وأحمد في "المسند" "5/ 132"، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" 3/ رقم 1168، 1169، وابن حبان في "الصحيح" "3/ 14/ رقم 739- الإحسان، والشاشي في "مسنده" "3/ 362/ رقم 1480، 1481" من طرق عن عاصم عن زر عن أبي به.
وإسناده حسن، عاصم صدوق له أوهامن حجة في القراءة، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه أبي بن كعب"، وقال قبل ذلك: "وفي الباب عن عمر وحذيفة بين اليمان وأم أيوب وسمرة وابن عباس وأبي هريرة وأبي جهم بن الحارث بن الصمة وعمرو بن العاص وأبي بكرة".
قلت: وأقرب ألفاظها للفظ المصنف حديث حذيفة عند أحمد في "المسند" "5/ 405-406".