كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)
فَصْلٌ:
- وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ التَّكَالِيفُ الِاعْتِقَادِيَّةُ وَالْعَمَلِيَّةُ مِمَّا يَسَعُ الْأُمِّيَّ تَعَقُّلُهَا، لِيَسَعَهُ الدُّخُولُ تَحْتَ حُكْمِهَا.
أَمَّا الِاعْتِقَادِيَّةُ -بِأَنْ تَكُونَ مِنَ الْقُرْبِ لِلْفَهْمِ، وَالسُّهُولَةِ عَلَى الْعَقْلِ، بِحَيْثُ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْجُمْهُورُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ثَاقِبَ الْفَهْمِ أَوْ بَلِيدًا-، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا الْخَوَاصُّ، لَمْ تَكُنِ الشَّرِيعَةُ عَامَّةً، وَلَمْ تَكُنْ أُمِّيَّةً، وَقَدْ ثَبَتَ كَوْنُهَا كَذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَعَانِي الْمَطْلُوبُ عِلْمُهَا وَاعْتِقَادُهَا سَهْلَةَ الْمَأْخَذِ1.
وَأَيْضًا، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لزمه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُمْهُورِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأُصُولِ2، وَلِذَلِكَ تَجِدُ الشَّرِيعَةَ لَمْ تُعَرِّفْ مِنَ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَّا بِمَا يَسَعُ فَهْمُهُ، وَأَرْجَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَعَرَّفَتْهُ بِمُقْتَضَى الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَحَضَّتْ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَأَحَالَتْ3 فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ عَلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 11] ، وَسَكَتَتْ عَنْ أَشْيَاءَ لَا تَهْتَدِي إِلَيْهَا العقول، نعم، لا ينكر
__________
1 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "9/ 37".
2 انظر في ذلك: "البرهان" "1/ 105"، و"المستصفى" "1/ 56، 86-88، و"البحر المحيط" "1/ 220 و 388"، و"الإبهاج" "1/ 170"، و"سلاسل الذهب" "136"، و"روضة الناظر" "1/ 234- 235- ط الرشد"، و"المحصول" "1/ 2/ 363"، و"المسودة" "80"، و"الإحكام" "1/ 137" للآمدي، و"تيسير التحرير" "2/ 135"، و"إرشاد الفحول" 9، و"رفع الحرج في الشريعة الإسلامية" "187- 205" ليعقوب الباحسين.
3 في "خ": "وإحالة".
الصفحة 141