كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

وَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَسَاقِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عَبَسَ: 1-2] حَيْثُ عُوتِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ [هَذَا] 1 الْعِتَابِ، لَكِنْ عَلَى حَالٍ2، تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ الَّتِي شَأْنُهَا أَخَفُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المعاتَب، ثُمَّ رَجَعَ الْكَلَامُ إِلَى الْخِطَابِ، إِلَّا أَنَّهُ بِعِتَابٍ أخفَّ مِنَ الْأَوَّلِ3، وَلِذَلِكَ خُتِمَتِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَة} [عَبَسَ: 11] .
وَالْخَامِسُ:
الْأَدَبُ فِي تَرْكِ التَّنْصِيصِ عَلَى نِسْبَةِ الشَّرِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى4، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْخَالِقَ لِكُلِّ شَيْءٍ، كَمَا قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} ..... [آلِ عِمْرَانَ: 26] إِلَى قَوْلِهِ: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آلِ عِمْرَانَ: 26] ، وَلَمْ يَقُلْ: "بِيَدِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ" وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ الْقِسْمَيْنِ مَعًا، لِأَنَّ نَزْعَ الْمُلْكِ وَالْإِذْلَالَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَحِقَ ذَلِكَ بِهِ شَرٌّ ظَاهِرٌ، نَعَمْ قَالَ فِي أَثَرِهِ: {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [آلِ عِمْرَانَ: 26] تَنْبِيهًا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ خَلْقُهُ، حَتَّى جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ ليس إليك" 5.
__________
1 سقط من "ط".
2 في "ط": "حالة".
3 انظر: "روح المعاني" "30/ 39"، و"تفسير القرطبي" "19/ 211"، و"فتح القدير" "5/ 382"، و"آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم في ضوء العصمة والاجتهاد" "ص279-287".
4 انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "8/ 207-211 و14/ 18-28 و299-302"، و"الحسنة والسيئة" "ص190"، و"شفاء العليل" "ص178"، و"مدارج السالكين" "1/ 194"، و"شرح الطحاوية" "282".
5 أخرج البخاري في "الصحيح" كتاب الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج 6/ 382/ رقم 3348، وكتاب الرقاق، باب قوله عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} 11/ 388/ رقم 6530" عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: "يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك".
وأخرج مسلم في "صحيحه" "كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، 1/ 534-535/ رقم 771" عن علي مرفوعًا، "إنه كان إذا قام إلى الصلاة قال.... والخير كله فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ".

الصفحة 166