كتاب الموافقات (اسم الجزء: 2)

النَّوْعُ الثَّالِثُ: فِي بَيَانِ قَصْدِ الشَّارِعِ فِي وَضْعِ الشَّرِيعَةِ لِلتَّكْلِيفِ بِمُقْتَضَاهَا
وَيَحْتَوِي عَلَى مَسَائِلَ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ أَوْ سَبَبَهُ1 الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهِ، فَمَا لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ شَرْعًا وَإِنْ جَازَ عَقْلًا2، وَلَا معنى لبيان ذلك ههنا، فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ3 قَدْ تَكَفَّلُوا بِهَذِهِ الْوَظِيفَةِ، وَلَكِنْ نَبْنِي عَلَيْهَا وَنَقُولُ: إِذَا ظَهَرَ مِنَ الشَّارِعِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ الْقَصْدُ إِلَى التَّكْلِيفِ بِمَا4 لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَذَلِكَ رَاجِعٌ فِي التَّحْقِيقِ إِلَى سَوَابِقِهِ أَوْ لَوَاحِقِهِ أَوْ قرائنه،
__________
1 لم أقف على قول بالسببية بالمعنى الذي ذكره في تعريف السبب. "د".
2 خلافا للحنفية والمعتزلة القائلين بالمنع عقلا أيضا. "د".
3 انظر على سبيل المثال: "البرهان" "1/ 105" للجويني، و"المستصفى" "1/ 86-88" للغزالي، و"البحر المحيط" "1/ 388"، و"سلاسل الذهب" "136"، كلاهما للزركشي، و"المسودة" "80" لآل تيمية، و"روضة الناظر" "1/ 234 - ط الرشد" و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "3/ 288، 10/ 344-348، 22/ 41-43، 100-102"، و"إعلام الموقعين" "4/ 220"، و"تهذيب السنن" "1/ 47"، و"بدائع الفوائد" "4/ 29-31"، و"أحكام أهل الذمة" "2/ 770"، كلها لابن القيم.
4 أي: بالذي

الصفحة 171